الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل يقول {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} صدق الله العظيم. وهو الذي يقول سبحانه {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. ويقول الرسول الأعظم رسول هذه الأمة المحمدية «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه). فالمولود الذي يولد في جميع بقاع الأرض، شرقها وغربها شمالها وجنوبها، يولد على الفطرة التي فطره الله عليها (فطرة الإسلام)؛ فنحمد الله نحن أهل هذه الأمة أمة الإسلام، أمة التوحيد، التي نعتمد فيها على كتاب الله سبحانه وتعالى وسُنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، نتربى وننشأ في أُسَر ومجتمع مسلم، والمولود عندنا كل من حوله من أفراد أسرته يوحدون الله ويتعبدونه في صلاتهم وصيامهم وحجهم، لا يشركون معه أحدًا، كذلك في معاملاتهم التي تعتبر عبادة فيما بينهم ضابطها الوازع الديني من صدق المعاملة وعدم الكذب والغش.. فبهذا يكون إعمار الأرض. وإعمار الأرض أمانة، تحملها الإنسان بعد أن تخلت عنها الملائكة والسماوات والأرض والجبال... إلخ {... وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}. فهذا المولود يشب وينشأ في أحضان أسرته، وهي المحضن الأول، ويبدأ مرحلة طفولته الأولى المبكرة، فيرضع منها الحب والعطف والحنان.. وبعض علماء النفس والتربية والوراثة يقولون إنه يرضع هذا، ويحس وهو في بطن أمه، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المحضن الثاني، وهو محضن الوسط المدرسي، ويأتي بما يملكه من موروث وخبرات اجتماعية، ويسلك ويعاشر ويعيش مع أقرانه في هذا الوسط الذي يجب أن يكون وسطًا تربويًّا قبل أن يكون تعليميًّا؛ لأن التربية قبل التعليم؛ فيختلط مع غيره بما يحملون من عادات وتقاليد وثقافات مختلفة، فإذا كان هذا الوسط من زملائه الطلاب أو معلميه وسطيًّا تربويًّا صالحًا إسلاميًّا يزكى في الطلاب التربية الإسلامية الصحيحة دون تطرف أو غلو أو طائفية، ويكون وسطًا ينمي فيه الصدق والإخلاص والانتماء إلى وطنه وأسرته ومجتمعه.. تربية إسلامية وسطية في كل شيء، في تعليمه وعلاقاته وإخلاصه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عََى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...}. ويستمر هذا في النمو، وتكبر معه خبراته وعاداته وتقاليده الصحيحة وموروثه الاجتماعي والاجتماعي والنفسي والمعرفي حتى يصل إلى مرحلة يحس فيها بكيانه، وأنه أصبح رجلاً، وتظهر عليه العلامات (البيولوجية) العضوية من خشونة في الصوت وظهور الشعر في بعض أجزاء من جسمه.
هنا يأتي دور المعاملة من أفراد أسرته أو مدرسته التي يجب أن تكون معاملة الرحمة والحب؛ لأن «الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه». والمراهق يحتاج إلى معاملة عن طريق الحب والتفاهم؛ لأنه يرى نفسه لم يعد صغيرًا، وإذا لم يأخذ حقه من عطف وحنان فسوف ينتقم بسلوك مشين عندما يكبر. فالمراهق يحتاج إلى جسور المحبة والصداقة من قِبل الأفراد كما ذكرنا، وإذا أخطأ لا بد من معرفة كيف يتم تعديل هذا السلوك الخاطئ من معرفة نقاط الضعف والقوة فيه؛ لتقوَّى نقاط القوة فيه وتعالَج نقاط الضعف.
ولا نواجهه بالعصبية والضرب، إنما بالمعاملة المتزنة، لا تدليل زائد ولا قسوة وشدة.. نعالج الخطأ بالأسلوب التربوي الذي يحسس هذا المراهق بآدميته وإنسانيته وكرامته.
وحسب خبرتي الميدانية في التعامل مع هؤلاء المراهقين لأكثر من (30) سنة؛ باعتباري متخصصًا في العلوم الاجتماعية والخدمة الاجتماعية، فإن أكثر المعرضين للانحراف والمنحرفين في المؤسسات الإصلاحية كانوا (مدللين)، ليس هناك معاملة متزنة ووسطية.. لا إفراط ولا تفريط.
فيا أيها الآباء والأمهات والمربون.. كونوا أولاً قدوة حسنة في سلوككم ومظهركم دون غلو أو تطرف، إنما في التعامل والسلوك الوسطي، ولا تكون نظرتكم نظرة فوفية من سيطرة وتنمر.. راقبوا أبناءكم بطريقة غير مباشرة، خاصة مَن هم في مرحلة المراهقة، مع مَن يجلسون، ومع مَن يرافقون لأن «المرء على دين خليله».
والعلاج يكون بالمعاملة الرحيمة والحب (الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته يدخل الفرح والسرور، ويلاعب أطفاله، ويجعل وقتًا لأبنائه وزوجاته). وأخيرًا نقول أيها الآباء والأمهات: يجب ألا تكون خلافاتكم - إذا كان هناك خلاف أسري - أمام الأبناء والأولاد ذكورًا وإناثًا؛ لأن هذا يترك آثارًا نفسية على نفسيات هؤلاء الأولاد، وقد تكبر وتمتد على مرور الأيام، فيحقد بعضهم، سواء على الأب أو الأم. فالمعاملة الحسنة من رفق وعطف وحنان وصداقة تحسس المراهق بآدميته وإنسانيته ومكانته بين أفراد الأسرة والمجتمع. فهذه المعاملة تجعلك أيها الأب ويا أيتها الأم ويا أيها المعلم ويا أيها التربوي تصنع ما تريد من المراهق من استقامة وصلاح وتكيُّف مع أسرته ووسطه المدرسي، ومع أقرانه وزملائه ومعلميه دون تشدد أو تطرف أو غلو.
اللهم أصلح أبناءنا وبناتنا، وارزقهم القدوة الصالحة التي تدلهم على فعل الخير، وتجنبهم فعل الشر والتنمر على أسرهم وأفراد مجتمعهم.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.