د. محمد عبدالله الخازم
حذرت من هذا الأمر مع بداية تأسيس جامعات المناطق لأول مرة عام 2006م، ويبدو أن الأمر يستفحل عاماً تلو آخر، حتى أصبحت بعض الجامعات تصرح بأن القبول بها محصور على أبناء المنطقة.
سأبدأ بالأسئلة قبل طرح فكرتين في هذا السياق؛ هل نريد جامعاتنا مجرد قاعات درس أم معاقل حضارية تبنى فيها أسس تكوين الشخصية السعودية والهوية الوطنية الوحدوية؟ كيف يتحقق التمييز ونحن نلغي أو نقلص كثيراً من أوجه المناهج الخفية كالمناشط الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية؟ كيف تحقق الجامعة رسالتها في دعم الوحدة الوطنية ونحن نتجه إلى تكريس الانعزالية لأبناء الجامعة بكل منطقة؟
جعل كل جامعة حصراً على أبناء منطقتها يفقدنا الرسالة الوحدوية التي قدمتها جامعتنا الكبرى الأول من ناحية احتضانها لجميع أبناء البلاد.
لأجل ذلك أطالب بأن تحدد نسبة (ثلاثين في المائة مثلا) من المقاعد الجامعية بكل منطقة للطلاب القادمين من مناطق أخرى، ويتم تشجيع ذلك بتوفير السكن والخدمات المناسبة لأولئك الطلاب.
أطالب بهذا التنظيم لأنني لا أريد أن يدرس الشاب داخل منطقته جميع مراحل التعليم ثم يعمل داخل منطقته وهو لا يعرف شيئاً عن بقية أجزاء بلاده ولا يحمل العلاقات الإيجابية المطلوب تكوينها مع أبناء المناطق الأخرى.
هذه ليست فكرة نظرية، بل أكتبها وأنا مدين بالفضل لجامعة الملك سعود التي من خلالها تعرفت على مكونات وطني الثقافية والفكرية الثرية بتنوعها وأسست صداقات العمر التي أفتخر بها مع أحبة من كافة أطياف ومناطق بلادي...
الفكرة الثانية تتعلق بالطلاب الأجانب. عدم قبول الطلاب الأجانب أو تقليص قبولهم إلى حدوده الحالية أتى من نظرة عاطفية، أو ربما لشح المقاعد، وليس لأسباب علمية. حرمت جامعاتنا من أن يكون لها صوت عالمي وإقليمي، يحمله خريجوها. كما حرم طلابها التزامل مع والتعرف على عادات وثقافات شعوب أخرى. بل إننا نسير ضد المنطق حينما نحرم إنساناً ربما تربى وعاش على ثرى هذه الأرض أو خدم والده بلادنا لفترة طويلة من دخول الجامعة السعودية ليغادر بلادنا حاملاً صورة سلبية. بالتأكيد لا أطالب بفتح الباب للجميع، ولكن وفق معايير ونسب محددة. أقترح تخصيص نسبة 5 إلى 10% للطلاب الأجانب بالجامعات السعودية.
قد يكون القبول على مرحلتين الأولى لأبناء المنطقة التي تنتمي لها الجامعة وبعد الوفاء بالنسبة المخصصة وقدرها 70% يفتح باب القبول للطلاب من خارج المنطقة. ويستثنى من ذلك الجامعات التخصصية كالبترول وسعود الصحية والعسكرية، فهذه يجب أن تتاح للجميع دون أن تطغى نسبة منطقة على أخرى.
تعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي وتقبل الآخر لدى أجيال المستقبل يبدأ من التطبيق الميداني بالجامعات. فضلاً عن كون ذلك يعزز جودة التعليم الجامعي والمنافسة العالمية. نحتاج مثل هذا التنظيم لنؤكد أن نشر التعليم الجامعي وتيسير الوصول إليه، لا يجب أن يكون ثمنه الانعزال تحت مظلة المناطقية.