نجيب الخنيزي
ما زالت تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا التي جرت مساء يوم الجمعة 15 يوليو الجاري تتفاعل على الصعيدين الداخلي والخارجي. من الواضح بأن هناك عوامل عدة مهمة ساعدت على إحباط الانقلاب ووأده في مهده نذكر من بينها، عدم إجماع أفرع وقطاعات المؤسسة العسكرية والأمنية في تأييد مخطط الانقلاب حيث يعتقد بأنه حظي بتأييد ومشاركة 20 في المائة منها فقط، إلى جانب عدم الاحتواء أو الاعتقال الفوري (وهو ما يعد أحد الألغاز) لقيادات وكوادر الحزب الحاكم ومؤيديه في الأذرع العسكرية والأمنية والإدارية والإعلامية، غير أنه وقبل كل شيء لم يحظ الانقلاب بأي غطاء أو التفاف شعبي أو من قبل الأحزاب السياسية المعارضة على اختلاف توجهاتها العلمانية والقومية واليسارية، ذلك نظرًا لما عاناه الشعب التركي من وطأة أربعة انقلابات عسكرية شهدتها تركيا في تاريخها الحديث وكانت تعد فترة حالكة، من بينها انقلابان حكمت فيهما المؤسسة العسكرية بشكل مباشر، الأمر الذي أدى إلى تهميش الشعب وقتل واعتقال واختفاء مئات الآلاف من المعارضين الأتراك وخصوصًا اليساريين منهم، ناهيك عمّا نجم عنه من عدم الاستقرار وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للغالبية الساحقة من الشعب وبما في ذلك الطبقة الوسطى.
السؤال الذي يطرح هنا هو: ماذا بعد اليوم التالي لفشل الانقلاب، وإلى أين تتجه تركيا؟ وبطبيعة الحال من الصعب التكهن بمجريات الأحداث، فحتى الآن يبدو أن الرئيس التركي أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية أعادت إحكام قبضتها على المفاصل الأساسية للسلطة، بل قامت بهجوم واسع معاكس شمل اعتقال وتوقيف وتسريح أكثر من 50 ألفًا من العاملين في القطاعات العسكرية والأمنية والاقتصادية والقضائية والدينية والتعليمية والإعلامية والأكاديمية وغيرها من مرافق الخدمة المدنية، وقد تعهد أردوغان ورئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم باستئصال ما سمي بالمنظمة السرية الموازية في الدولة التركية العميقة موجهين أصابع الاتهام إلى زعيم حركة «حزمت» التي يتزعمها رجل الدين المعارض فتح الله غولن، المقيم في المنفى بالولايات المتحدة باعتباره المسؤول الفعلي والمباشر لحركة الانقلاب وقد قدمت الحكومة طلبًا رسميًا لترحيله إلى تركيا بموجب اتفاق تبادل المجرمين بين البلدين، وضمن هذا السياق أعلن الرئيس أردوغان عن التوجه لتغيير بعض بنود الدستور بما يسمح بإعادة عقوبة الإعدام إلى جانب تغيير بنود أخرى طرحها مسبقًا ورفضتها المعارضة حيث تعتبرها تمس الأسس العلمانية للدولة التركية وتصب في محاولة أخونة الدولة والمجتمع، كما صدر مرسوم بإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المقابل فإن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي (التي تسعى تركيا جاهدة لنيل عضويته) ومنظمة حلف الناتو وعديد من الدول في العالم إلى جانب المنظمات الحقوقية الدولية التي أدانت الانقلاب ودعمت الشرعية غير أنها في الوقت نفسه طالبت بأن تكون المحاكمات والتحقيقات تحت مظلة المبادئ الديمقراطية والشرعية الدستورية وبعيدًا عن روح الانتقام، أو تصفية الحسابات مع الخصوم والمعارضة. تركيا التي حققت تحت حكم حزب العدالة والتنمية نجاحات ملموسة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي مدعوة اليوم لتجنب سياسة الغلبة والتسلط وإرساء دعائم السلم الأهلي الداخلي، وتحقيق المصالحة والتوافقات الوطنية ما بين المكونات السياسية والاجتماعية والأثنية، الذي من شأنه تجنيب تركيا من الانزلاق إلى الكارثة على غرار ما هو حاصل في سوريا والعراق.