د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يجب في البداية أن نتفق أن التعليم صناعة من الصناعات الثقيلة, كما يجب أن نعترف أن صور منتجاتنا التعليمية تحولت في السنوات الأخيرة إلى دراما صاخبة عجز الكثيرون عن إدراك اتجاه مساراتها، إلا أن المتفق عليه أن هناك اخفاقات في المنتج المعرفي، وأن فراغ الفكر قد احتشى بما لا يؤمن أو يؤتمن, ولكن مما يجب التنويه عنه أن الجميع في بلادنا مازالوا مسكونين بنشوة الأمل في الانتصار على رديء الصناعة، والحصول على مفتاح الخلاص، والاقتراب من منابع الضوء, ولا يعني تعميم ذلك إغفال طيبي الذكر الذين بسقت رؤوسهم لتتحايل على محيطهم كي لا تنهزم المعرفة أمامهم ولا تغتمض عينهم الثالثة التي صنعتها لهم مؤسسة حفية بالعقول الموهوبة، وإن كانت تصنع لهم التتويج تلو الآخر, ولم تصل بهم بعد إلى ضفاف المخترعين والمكتشفين؛ وحتى أدلف إلى موضوعي لابد من الإشارة إلى أنني سوف أتجاوز الحديث عما يخص برامج التحول الوطني المعتمدة للتعليم، فقد أشبعتها الأقلام نقاشاً وكان لي شرف تناولها في مقالة عجلى، ولكني سوف أطرح رؤية تنظيمية تعين القوم على امتلاك مفتاح صناعة التعليم بأسلوب ممنهج سليم من خلال حصر دقيق لمتطلبات إدارة الموقف التعليمي وأدواته، فربما استطعنا نقل الدراما الصاخبة وتحويلها إلى ملاحم خالدة، ويتلخص التنظيم في تسكين كل عنصر من مكونات صناعة التعليم في مصنع مختص في منطقة تعليمية محددة لتكون محضناً للتأسيس وصناعة معايير الإنتاج وضبط الجودة في ذلك المجال والتجريب والقياس، وتأهيل وتطوير قدرات الكادر البشري المنفذ والاستعانة بالخبرات المحلية والخارجية لتطوير المجال، وتنفيذ التقويم المرحلي إلى أن تستوي الصناعة ويصدر المنتج إلى المناطق التعليمية؛ ويستند في التصنيف وفق معايير تمكن الإدارة التعليمية لكل مجال وفق مؤشرات الأداء التي عملت عليها وزارة التعليم؛ وأسوق مثالاً على ذلك بالعنصر الأساس من مكونات التعليم وهم المعلمون؛ فعندما نستنطق شجون وشئون المعلمين نجد فيها من مسببات فقد الدافعية لهذه المهنة الشريفة الكثير مما لا تسعفني المساحة لعرضه، فلو أوكل شأنهم كله منذ التعيين إلى التحاقهم بالمدارس وصولاً إلى استمرار المرجعية التنظيمية في كل شئونهم إلى إدارة تعليمية محددة لكان ذلك من حوافز الرغبة والإبداع والشعور بالعدالة وإقالة العثرات في واقع التدريس، وينطبق ذلك على مكونات المصنع التعليمي في كل مجالاته (التنمية المهني، ومصادر التعلم والشأن الإرشادي، والجودة التعليمية وما يتصل بها من الحوافز والجوائز؛ والنشاطات الطلابية والتعليمية بكل أبوابها، والتقويم ونواتجه ومخرجاته، وشئون الموهوبين وذوي الاحتياجات الخاصة والطفولة, وأن يكون لكل مادة تخصصية محضن ينميها.
وقد استندتُ في اقتراح التنظيم إلى اتساع رقعة بلادنا الحبيبة وتعددية مناطقها الإدارية، وتنوع البيئات، والنطاقات الجغرافية، والأهم من ذلك ما نراه في واقع التنفيذ من أنه لكل أناس مشربهم التنفيذي وإن علا أو قل في نتاجه فمجالات الاستفادة من الآخر لا تكاد تذكر إلا من خلال لقاء عابر يتحدث فيه الأقطاب نقلاً عن الممارسين؛ وكأن لهم أجنحة ترفعهم عن أرض المستفيدين عامة, وتلك فوائد أخرى من التنظيم أسوقها منها جودة التهيئة وبناء الاستعدادات والقدرات واستثمار الكفاءات القادرة على قيادة البرامج الداعمة للعناصر وتفعيلها, وتكوين فريق من الخبراء الناقلين باحترافية ومهنية عالية، وتأسيس بيوت خبرة محلية، وبناء ثقافة الانتماء وتحقيق الولاء للعمل ونشر التنافسية بين إدارات التعليم، وتكوين المعارض الدائمة المبنية على الخبرات التراكمية لكل عنصر من مكونات صناعة التعليم مما يشكل حفظاً وتوثيقاً للجهود وأخيراً التقويم الصحيح للمخرجات المتوقعة التي تكافئ الأهداف وتحقق المردود المباشر على المتعلمين.
يكلفني التعليم هما وهمة
وأرقبُ للإصلاح يوما وموعدا