د. عبد الله المعيلي
يتذكر الجيل الذين أعمارهم في الأربعينيات وأزيد، أيام كانوا على مقاعد الدراسة، وأجزم أن جلهم يحمل انطباعات إيجابية، وذكريات مفعمة بالشوق لتلك المرحلة الدراسية التي لم يشعروا فيها بملل ولا سأم، على الرغم من طول العام الدراسي إلى حد ما، الذي يمتد عامًا كاملاً دون انقطاع أو إجازات، والمقررات الدراسية غنية بالمعلومات، والكتب كثيرة الصفحات العادية غير التي تبدو عليها الكتب الدراسية الحالية بيضاء صقيلة ملونة، كانت خالية من المعينات والرسوم التوضيحية الملونة، وجل المدارس يفتقر إلى المرافق التعليمية من مختبرات ومعامل وملاعب، فقد كانت أيام جد واجتهاد ومثابرة.
على الرغم من هذا كله، ما زالت الذاكرة تحتفظ بالصور الذهنية الحافلة بالذكريات الجميلة، والحب للمدرسة والمعلمين، تعليم علمنا الجد والمثابرة، تعلمنا منه قيمة الوقت واحترامه واستثماره، تعليم أعد أجيالاً مزودة بمعارف، غنية ثرة ثرية معلوماتها، قوية شخصياتها، اطلعت على مصادر العلم المختلفة، فإذا بها تستشهد بالآيات والأحاديث والأقوال المأثورة وأبيات الشعر الجميلة في مبناها ومعانيها، جيل ألف المكتبات، أكب على أمهات الكتب والمراجع والمعاجم، لم يضره طول العام الدراسي، بل صنع منه أجيالاً أن كتبت أجادت، وإن تحدَّثت أعجبت السامع وأطربته، بغزارة معلوماتها، وسلامة فكرها وتفكيرها.
إن الزعم بأن في تواصل الدراسة عام دون إجازات، أثقال على الطلاب، وأنه مدعاة إلى سأمهم ومللهم من الدراسة، مما يؤثر على تكوينهم المعرفي، وتحصيلهم العلمي، أنه زعم لا مستند له في حدود علمي، فلم أطلع على ما يثبته ويؤيده، بل المظنة أنه يعود الطلاب على الكسل، وإضاعة الوقت، ودلائل ذلك متواترة كل عام حيث تشكو المدارس من غياب الطلاب في الأسبوع الذي يسبق الإجازة، والحال نفسها في الأسبوع الذي يليها، هذه الحال تعد منهجًا خفيًا خطيرًا على بناء شخصية الطلاب وتكوينهم، وتقييمهم الوقت واستثمار كل ثوانيه ودقائقه، فضلاً عن ساعاته التي يلحظ الآن على كثير من العاملين عدم اكتراثه بالوقت، تمثل في الخروج أثناء الدوام، والتشاغل بتصفح أقنية المعلومات وقراءة الصحف على حساب إنجاز عمله ومهمات وظيفته الرسمية التي يجب ألا يفرط بثانية فيها فضلاً عن الدقائق والساعات.
فمن أين تسللت إلى أذهان المسؤولين في عدد من وزارات التعليم في جل العالم العربي، تلك القناعات التي لا أصل لها لا علميًا ولا تربويًا؟ أعني تبني تعدد الإجازات من أجل إراحة الطلاب من عناء العام الدراسي، من قال بهذا؟: لو كان صحيحًا لكان معتمدًا في كل أنظمة التعليم، وأخص منها التعليم في العالم العربي، لكنها مجرد رؤية واجتهاد اتخذ في فترة زمنية مضت واستمرت باعتبارها أصلاً، بينما هي في الحقيقة اجتهاد غير متفق عليه بين رجال التربية والتعليم، والدليل تلك المخرجات المضيئة للتعليم في الزمن الماضي.
وحيث إن العام الدراسي الجديد لم يبدأ، ولم يرتبط أحد أو يرتب أموره بناء على التقويم المعلن للعام الدراسي 1437- 1438 هـ، لعل وزارة التعليم تعيد النظر في مواعيد الإجازات المعتمد بحيث تستثمر أيام الشتاء وأيام الجو المعتدل وذلك وفق الآتي:
« إلغاء إجازة منتصف الفصل الدراسي الأول.
« إلغاء إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني.
بهذا تختصر الوزارة حوالي عشرين يومًا في نهاية العام الدراسي الوقت الذي تشتد فيها حرارة الجو، وبهذا ينتهي العام الدراسي مع بداية شهر رمضان 1438هـ.