يوسف المحيميد
لن أشكك في الانقلاب العسكري في تركيا، رغم أن ما حدث كان درساً مهماً في احترام الديمقراطية وإرادة الشعوب، ولن أثير الأسئلة حول مسوغات فصل الآلاف من العسكريين والقضاة وحتى الموظفين في مختلف القطاعات، من غير محاكمات، وخلال ساعات فقط من إفشال الانقلاب، ولن أبحث عن الدول المتهمة في تدبير الانقلاب العسكري، واتهامات القيادة التركية لها، فقد كتب الكثيرون حول الحالة التركية، من مختلف الجوانب السياسية، ليس على المستوى المحلي، بل حتى الصحافة والوكالات الأجنبية كتبت كثيراً، وحلّلت الموضوع من كافة جوانبه، وتبعاً لموقفها من أردوغان وحزب التنمية والعدالة، ودور تركيا في ما يحدث إقليميًّا.
سأتحدث عمَّا وراء الحدث الكبير، عمَّا تتجاهله معظم الأقلام، ولا تتنبه له، ما عدا وكالة رويتزر التقطت بذكاء ما وراء الحالة التركية السياسية، وبطريقة من ينظر إلى الزوايا المعتمة من أجل إضاءتها، وإلى اصطياد الهامشي أحياناً، مما يستحق التأمل والنظر فيه، حينما كتبت أن الانقلابات العسكرية ليست جيدة لرجال الأعمال، إلا إذا كنت صانع أعلام، فمن يصنع الأعلام ورايات البلاد وحده من يربح كثيراً، بالبيع على الحشود التي ستظهر في الشوارع إما مؤيّدة للانقلاب، أو رافضة له!
هؤلاء ليسوا كبائعي الأعلام في المباريات الرياضية التنافسية، ممن يضطر إلى توفير العلمين المتنافسين، ذلك الأمر الذي قد يعرض البائع إلى كساد أحياناً، أو إلى اعتداء المشجعين المتعصبين من الفريق الخاسر، وإنما هم باعة أعلام وطنية مقبولة لدى الجميع، داعمو الانقلاب العسكري، وداعمو الحكومة المنتخبة، فهؤلاء الصنّاع والباعة هم أكثر من ابتهج بهذا الحدث، وهم من يتمنى استمرار المخاوف من الانقلاب، وهم من صفق كثيراً لإعلان حالة الطوارئ لثلاثة أشهر قادمة، وحتماً هم من يتمنى أن يخرج الملايين من الأتراك للشوارع، حاملين الأعلام كل يوم، بمختلف المقاسات، وباللون الأحمر ذاته!
وليس بعيداً أن يبتكر أحدهم قمصانًا حمراء، يتوسطها هلال ونجمة بيضاء، وشالات حول العنق ذات لون أحمر أيضاً، وغيرها من ابتكارات ذات طابع تسويقي، وتشكِّل خطوطاً مصنعية جديدة في تصنيع الأعلام، أو المنتجات ذات العلاقة بالحالة الوطنية التركية الراهنة!
إن هؤلاء الصنّاع والباعة ليسوا بالضرورة مشغولين بالحالة السياسية، ولا بالأوضاع الاقتصادية، وإنما بمكاسبهم المالية فقط، تلك المترتبة على زعزعة الأوضاع، واستمرار الخوف، وخروج المواطنين في الشوارع، إنهم يتابعون الحدث بحرص، للاطمئنان على استمراره، حتى ولو كان يسبب كساداً اقتصادياً في البلاد، بسبب عدم الاستقرار السياسي، لكنه بالنسبة لهم يمثّل منتهى النجاح، وهو ما يبقي السوق جيداً، باستمرار الطلب على الأعلام!