د.عبدالعزيز الجار الله
هكذا قالها الأتراك: الشعب لا يريد إسقاط النظام. حين كان العالم يتوقع أن تأخذ الثورات طريقة العرب في ربيعهم ويخرجون للساحات يفترشون الأرض ويعتصمون ويهتفون الشعب يريد إسقاط النظام على طريقة أهل تونس أو أهل مصر والشام واليمن، تركيا صدمت العالم وخرج الشعب يقول: الشعب يريد تثبيت النظام وحماية الديمقراطية.
هل تعلم العالم من تجارب العرب أن إسقاط النظام يولد الخراب والدمار والحروب الأهلية كما حدث في العراق عندما تورطت أمريكا وبريطانيا والغرب في حرب لم تستأذن فيه الأمم المتحدة، وكما تورطت روسيا وإيران في دعم نظام يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة، أو كما فعلت إيران في دعم أحزاب وجماعات مذهبية متطرفة في اليمن ولبنان والعراق.
تركيا كانت ناضجة بما يكفي لحماية بلادها، وهي الدولة التي تخلت عن الخلافة الإسلامية الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى لإقامة دولة تركيا الحديثة بحدودها الحالية، فقد كان العالم قبل حادثة الانقلاب الفاشل - كان العالم - يعتقد أن خاصية الانقلابات العسكرية خاصية أفريقية وأمريكية جنوبية تختص بها دولُ بعينها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
انقلاب تركيا الفاشل نبه وأيقظ دولاً أوروبية ودولاً من العالم الأول، وأيضا كشف دولا كبرى كانت تعمل في الظل مع القيادات العسكرية بالتخطيط والتأييد لإسقاط تركيا الديمقراطية وإعادتها للعسكر، تركيا الجندي وإسرائيل الجندي وإيران الجندي تريد دولا وحكومات وأنظمة تتحول إلى جنود لحماية مصالح الدول الكبرى، وهذا هو الذي يجعل انقلاب تركيا لم يكتشف إلا بعد أن نزلت الدبابات في الشوارع، وحتى بعد نزولها قيل للشعب إنها تسعى للقضاء على إرهابيين.
الذي حدث في تركيا ليس فصيلاً منتفضاً من الجيش، أو جماعة عسكرية إرهابية، أو جنود من المغامرين لأنهم من القيادات العليا في الجيش ومن القضاة، ومن المحافظين والقيادات الإدارية من كل الرتب العسكرية والمدنية عملت في الخفاء لعودة العسكر مع توافق دولي إلى السلطة أي عودة الجنرال للمنطقة، وهذا يكشف الأوراق لجميع دول الشرق الأوسط أن التغييرات ليست فقط عبر الطريقة الأمريكية في العراق، ولا على الطريقة الروسية في سوريا بل تحرك الجيش بالتعاون مع الدول النافذة.