محمد عبد الرزاق القشعمي
كان الشيخ عباس قطان مشهوراً بدوره الاجتماعي في إصلاح ذات البين، وكان يتحرى الإصلاح بين العائلات التي يطول بينها الجفاء والقطيعة، ويستفحل بينها العداء، وتنقطع أواصر المودة ويحل الكره محل الحب، (... ولقد كان قضاة مكة يحيلون إليه من القضايا التي تعرض عليهم ما يرون أن المصلحة تدخله فيها حفظاً لصلة الرحم وحسن الجوار، وكان الشيخ عباس – رحمه الله – يبذل جهده ووقته للإصلاح ما وسعه ذلك مستعيناً بمن يتوسم فيهم الخير من الرجال لتحقيق هذه الغاية باذلا في ذلك جاهه وماله وربما اقتضى الأمر مراجعة المسؤولين في دوائر الحكومة لتذليل العقبات التي تعترض سبيله حتى إذ أثمر سعيه جمع المتخاصمين في داره المضيافة على مائدة العشاء أو الغداء مع من اشترك معه في الإصلاح ليذهبوا في اليوم التالي إلى المحكمة فيطلبون من القضاة إلغاء القضايا التي كانوا يقيمونها معلنين تصالحهم وتراضيهم، ولا شك أن هذا العمل من أجل الأعمال التي يقوم بها إلا أولئك الرجال الكبار الذين اتسعت صدورهم لمشاكل الناس فرأبوا الصدع وأقاموا المودة مقام العداوة وسعدوا بما رأوا من ثمار سعيهم الطيب بين الناس» (5).
يذكر أحمد السباعي أنه كان يكتب في صحيفة (صوت الحجاز) باسم فتاتين متعلمتين تتحاوران فيما ينفع المجتمع وذلك باسم مستعار، فاجأه أحد وجهاء مكة وأمين عاصمتها عباس حسن قطان وطلب منه أن يخبره بأسماء هاتين الفتاتين فرد عليه رافضا بقوله: هذا سر الصنعة، فقال له: أن هدفي نبيل فأنا أرغب بالزواج من إحداهن، فرد عليه السباعي: ما دام الأمر كذلك فأنا إحدى هاتين الفتاتين.. فرد عليه القطان غاضباً: إخس الله يقرفك، أما الثانية فهي فلانة بنت فلان.. وقد ذهب لوالدها فعلاً وتزوجا وقد انجبا البنين والبنات»(6) .
وفاته:
فاجأه المرض وهو يقف على العمارة التي انشأها في مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم – وسميت فيما بعد باسم (مكتبة مكة المكرمة – تأسست عام 1370هـ).
وقال المغربي: «.. وكانت العقبات التي واجهها الشيخ عباس قطان لتحقيق هذه الأمنية الكبيرة كثيرة ولكنه استمر في محاولاته تلك دون كلل أو ملل، فاستطاع بعد سنوات طويلة من الصبر وتصيد الفرص المناسبة أن يحظى بموافقة جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز للسماح له بإقامة المبنى الذي يريد وما إن حصل من جلالته بإقامة المبنى حتى سارع باتخاذ الاجراءات اللازمة لذلك عام 1370هـ وكان يشرف على البناء بنفسه في كل يوم راغباً في سرعة إنجازه وتحقيق الأمنية التي كان ينشدها برؤية المكتبة العامة مشيدة في موضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من أيام شهر رجب 1370هـ ذهب كعادته لرؤية العمارة مصطحباً بعض أصدقائه ولكنه شعر بألم مفاجئ وهو واقف في الموقع فقد فاجأته نوبة قلبية حادة فأمسك به الحاضرون من أبنائه وأصدقائه واستدعي له أحد الأطباء ثم نقل إلى بيته وفي اليوم التالي فارق الحياة، فكانت هذه العمارة التي تمنى أن ينشئها هي الخاتمة السعيدة لحياته... » (7) .
وقد توفي في اليوم التالي بداره بالشامية بمكة المكرمة صباح يوم الاثنين 16 رجب 1370هـ عن عمر يناهز الثانية والخمسين عاماً بعد حياة قضاها في العمل الطيب، فهو يعد بحق ممن نال ثقة أبناء مكة المكرمة وثقة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – فهو من أوائل الذين تولوا أمانة العاصمة المقدسة في عهد التأسيس، وكان له دور بارز في البناء والتشييد حتى لقبه الملك عبدالعزيز بالأمين لقيادة العاصمة المقدسة عام 1347هـ.
... ... ...
(5)أعلام الحجاز، محمد علي مغربي، مرجع سابق، ص 86 – 87.
(6)المرأة في المملكة العربية السعودية كيف كانت وكيف أصبحت، محمد القشعمي، ط1، 1436هـ/ 2015م، ص95.
(7)أعلام الحجاز، المرجع السابق، ص 79.