د.عبدالله الغذامي
ميزة حلم مارتن لوثر كنج أنه حلم به، ثم مضى لينجزه غيره، هكذا هي الأحلام الكبرى تتحول لسيرة ومسار لأمة ولزمن ولثقافة.
وفي البداية كانت خطبة في جماهير اجتمعت لتعبر عن احتجاجها على المظالم الواقعة عليها، من استعباد جسدي ومعنوي، كله بسبب لون جلدها، وكل صاحب بشرة سوداء كان يتعرض للإقصاء الاجتماعي حتى ليمنع عليه الجلوس على مقاعد الباص ومن كان جالسا فيلزمه ترك كرسيه لمجرد أن يحضر رجل أبيض وحينها يكون المكان للأبيض وليس للأسود، ويستمر العزل والإقصاء ليشمل كل مظاهر الحياة، وصار التجمع الكبير الذي خطب فيه مارتن لوثر كنج بخطبته الشهيرة : لدي حلم ... لدي حلم ... لدي حلم.
وما لبثت رصاصة آثمة أن نسفت رأس مارتن لوثر كنج غدرا وتربصا ومات لكن حلمه بقي حيا يتفاعل ويتحرك ويحرك الوجدانات السوداء، إذ تولت الجماهير المسيرة من بعده حتى حققت الكثير من المكاسب العملية والمعنوية، وصارت الثقافة السوداء والإنسان الأسود معلما إنسانيا في أمريكا من بعد أن كان مسخا، ولا يزال حلم مارتن كنج يحفز الناس، كل الناس ومن كل العينات البشرية، وخاصة في أمريكا حيث ما زال الأمريكيون الأفارقة يعانون تحيزات من بقايا زمن التسلط والتغطرس الأبيض، ولكنهم يقفون بشجاعة معنوية وبثقافة تتخذ من الاحتجاج السلمي سبيلا لرفع المظالم، وهذا هو أكبر منجز حققه مارتن لوثر كنج حيث طرح نظرية النضال السلمي كبديل لنظريات العنف، العنف كفعل والعنف كردة فعل، وبسبب نظريته السلمية سارت المسيرة من بعده، ولا زالت تسير وتكتب لخطاها الانتصار تلو الانتصار مع تعاطف العالم كله معها واتخاذه لها نموذجا يحتذى في نضاليات الشعوب، والتأكيد أن السلم يصنع نتائج أعلى من خسائر الحروب وعنفها.