غرد لي أحد الأصدقاء، من أسبوع تقريبًا، يسألني رأيي في مقال بعنوان: الروايات تفسد حياتك! يرى الأكاديمي خالد سليمان (في لقاء أجراه معه جهاد أبو هاشم لصحيفة الاقتصادية بتاريخ 30يونيو 2016) «أن من سيئات الروايات أنها تقدم لنا صورة وهمية مغلوطة عن العالم في كثير من الحالات لن ينوبنا منها إلا خيبة الأمل والخذلان والانكسار وربما الضياع»!
من الواضح أن د. خالد سليمان «يبالغ قليلًا» وقد أسس رأيه على حالات شاذة غالبًا، صحيح أنه لا يمكن إنكار تأثير الأدب وثقله على حياتنا، لكنه مضى بتطرف ليلغي وعي القارئ فيما يقرأ، ويدعو-ضمنيًا- إلى ممارسة شيء من الوصاية عليه بتحديد قوائم لما يقرأ وما لا يقرأ. ثم أتى بدليل آخر على إفساد الروايات لحياتنا، وهي أنها تنتهي عادة نهايات سعيدة ينتصر فيها الخير، لكن الواقع يثبت أن الشر هو من ينتصر دومًا ولا ينال الخير ذلك إلا في حالات نادرة لا يصح أن نبني عليها رؤية لحياتنا. أنا لا أعرف ما هي الروايات التي يتخذها د. سليمان مثالًا هنا، لكن باطلاع بسيط على هذا الجنس الأدبي سنجد أن الأمر عكس ذلك تمامًا، فالروايات لا تفعل شيئًا أكثر من تصوير هذا العالم الماثل للفناء بشيء من الفجاجة! وإن كان الأمر كما يقول فلربما كان من باب أولى أن نمنع الأطفال من قراءة القصص -التي تنتهي دومًا نهايات سعيدة- لنقوّم رؤيتهم لهذا العالم فلا ينخدعون بخير!
أعتقد أن هذا الأكاديمي يمارس نوعًا من الاستعلاء على القارئ إذ يراه بحاجة إلى توجيه وقيادة ولا يمنحه الثقة، و»يأمره» أن يكتفي بقراءة الأعمال التي «تخدم هدفًا ساميًا»، ولكن من يحدد سمو هذا الهدف؟ ألا يجعلنا ذلك أحاديي النظرة؟ إنه يتحدث بالأحرى عن قارئ سلبي، يأخذ كل ما يقرؤه على أنه مسلّمات، قارئ ساذج -إن صح التعبير- قد يبدل قناعاته وآراءه تبعًا لقناعات الكاتب، يغيرها كما يغير منامته كل ليلة، ولا يرى غضاضة في فعل ذلك، هذا النمط من القراء لن يكون له أرضية صلبة يقف عليها، بل سيبدو أشبه بنبات من السرخسيات هشة الجذور سهلة الاقتلاع مع أول هبوب هادئ للنسيم، ويفترض -أو يؤمن- أن كل القراء هم متلقون من هذا النوع. ومن الواضح أيضًا أنه يدعونا أن نظل مرتابين متشككين حيال مدى إفساد ما نقرأ لحياتنا مما سيفقدنا متعة القراءة، وسيكون الأمر أشبه بما كانت أمهاتنا يفعلن حين ينثرن مسحوقًا مرًا على أصابع الأطفال لتخليصهم من العادة الرديئة في مص الأصابع، غير أن (القراء الحصيفين) يظلون مثابرين- ومرحى لهم لقيامهم بهذا- على اجتراح هذه اللذة وإن نالهم بعض المرارة!
- بثينة الإبراهيم