ما الذي يجعل الدول تعتذر ؟!
الكاتب «جيرما نيغاش» أصدر كتابا مهما جداً عن «أدبيات الاعتذار السياسي» يمثل الكتاب إضافة جديدة في هذا الشأن، حيث يناقِش المؤلف جيرما نيغاش سؤالاً يتعلق بما إذا كان من الممكن للدولة أن تنجح في أن تقدم اعتذاراً، وما القيود السياسية والأخلاقية على تصرُّف من هذا القبيل؟
ويدرس المؤلف أربعة نماذج للاعتذار، ويبدأ بالحالة التقليدية بين ألمانيا وإسرائيل، وتتعلق الحالة الثانية التي يدرسها الكتاب بالحسابات السياسية للنخبة السياسية في اليابان بشأن دعاوى دول الجوار بضرورة اعتذار اليابان عن الجرائم التي ارتكبتها خلال الحرب اليابانية، وفي الحالة الثالثة الخاصة برواندا، يؤكد المؤلف أن ثمة اتفاقاً على أن إخفاق الأمم المتحدة لم يكن نتيجة لنقص معلومات، بقدر ما كان نتيجة لنقص الإرادة السياسية من جانب القوى الرئيسية فيها لاتخاذ موقف ضد مرتكبـي الإبادة الجماعية، وتتمحور الحالة الرابعة حول الوكالات والمسؤولية في حال الخلاف بين الدول. وتركز على حادثتـي اعتذار قدمتهما الولايات المتحدة للصين، الأولى بشأن تعرُّض السفارة الصينية في بلغراد لقذائف طائرات (الناتو).
إن تقديم الاعتذار بقدر ما هو تجربة مريرة، فهو في الوقت ذاته يمثل ضرورة حتمية، حيث يؤثر في نواحٍ لا يقتصر مداها على العلاقات بين الأطراف المعنية فحسب، بل يتجاوزها أيضاً إلى المشهد الدولي من حولها. ولا يخرج الاعتذار في الظاهر عن إبداء الندم على المخالفة وتقديم الشكر للطرف الآخر. غير أنه في الحقيقة، يجب أن يتجاوز هذه الممارسةَ ويعلو على كلماتها وطقوسها، إن تزايد عمليات الاعتذار العام، وبخاصة بين الدول، يدفع إلى التساؤل عن سبب كثرة هذه الاعتذارات، وسبب حدوثها في الوقت الراهن تحديداً.
ثمة ثلاثة عوامل فلسفية تفسر هذه الظاهرة بصورة دقيقة: يتعلق الأول بالليبرالية وأفكار وممارسات تعزيز السلام بين الأمم.ويتعلق الثاني بحركة الدول وممثليها لأداء دور ساعي سلام نشط، وذلك بطرائق تختلف عن المنهج التقليدي في تسوية النـزاعات. ويبدو أن من أهم صور اختلاف هذا المنهج عن الطرائق الماضية أن يقدم رجال الدولة، سواء بإرادتهم المحضة أو تحت الضغط الجماهيري، اعتذارات عامة عن مخالفات قديمة وحديثة يتحملون المسؤولية عنها، ويقبلون النقد بخصوصها. ويتعلق الثالث بالنظرية الأخلاقية وبالطرائق المختلفة التي تتألف من خلالها الجماعات ذات المصالح المشتركة.
والاعتذار الرسمي مثله مثل الاعتذار الشخصي يحمل في ثناياه بعض عوامل وعناصر الندم وإظهار الاحترام للطرف الثاني لكنه لا يقف عند هذه الحدود إذ يمكن للاعتذار الرسمي أن يهدف إلى منع التصعيد بين الدول وتأسيس قاعدة معينة للحوار وإنهاء النزاعات.
[اعتذار لم يكف لوقف حرب إعادة تشكيل العالم]
وصل ولي عهد الإمبراطورية النمساوية الهنغارية الأمير «فرانس فيرناند» وزوجته يوم 28/6/1914 لصربيا في زيارة رسمية لكن الطالب السلافي الأصل بوسني الموطن «غبريلو برينتشيف» عضو منظمة «بوسنة الفتاة» الهادفة إلى ممارسة الضغوط على النمسا لإعادة مناطق صربية ضمتها لحكمها كان له مخطط آخر فأطلق رصاصتين من مسدسه وضعتا حدا لحياة ولي العهد وزوجته.
طالبت النمسا صربيا بتقديم اعتذار رسمي فاستجابت الأخيرة فورا واعتذرت على فعلة مواطنها لكن الاعتذار لم ينه الأزمة، فطلبت النمسا فتح تحقيق ينفذه محققون نمساويون فوافقت صربيا، فطالبت النمسا فرض عقوبات على المنظمات القومية الصربية فوافقت صربيا دون تردد فلم تتوقف مطالب وطلبات الإمبراطورية النمساوية الهنغارية لتتخذ من هذه الحادثة ذريعة وتندلع الحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة 10 ملايين إنسان.
- أحلام الفهمي