«لا يوجد طريق أطول من الأقدام.. ولا جبل أعلى من الإنسان»
- وانغ جوه جن
لكي نعود علينا الذهاب الى مكان ما مكان ليس بعيدا بالضرورة حتى نستطيع العودة. ونحن لا نستطيع العودة إذا ما بقينا في أماكننا ولم نغادر وعلى القدم ان تمتشق المسافات إن أرادت الظفر بلذة الإياب.
الأماكن لا تأتي إلينا ولا العوالم والجهات البعيدة. وهي لا تمتلك أقداما ولا أجنحة ونحن من يجب أن يمضي إن أردنا ان نكتوي بألم التجربة.. ألم الرحيل ولذة الإياب.
والسبع الفوائد التي قالها الشاعر قديما عن السفر لم تعد فقد تغيرت منذ أن أصبح السفر والتنقل هو القاعدة والسكون هو الاستثناء والا لماذا إذا هذه المطارات والطرقات ومحطات الرحيل.؟
والسفر لم يعد حالما ولا ترفا والحياة كلها غدت سفرا وكل شيء أصبح قائما على التنقل.
لكن سفر الحالمين ايضا لم يعد.. سفر حفر الأسماء والتواريخ على جذوع الأشجار وأماكن الذكرى والتقاط الصور..الصور التي نعود بها والصور الآن تلتقط لتتلف في الحال أو تضيع في الفراغ. السفر الآن هو قلق المسافات والركض الى بوابات المطارات ومحاولة اللحاق بقطار في المحطة أو البحث عن مقعد خال مع كامل احتمالات الصح والخطأ والضياع في أحشاء المدن الغريبة.
والمدن الغريبة كالنساء الغريبات ساحرات وفاتنات وغامضات ايضا لكنهن لن يهبن لنا الأمان ولا دفء الرفقة، الأمان دائما في الأوطان وفي وجوه الغالين من الاحباب.
والعالم أيضا لم يعد كبيرا أبدا ولا واسعا ابدا، العالم كله الآن عند أصابعنا لكنه ايضا أصبح أكثر تعقيدا وقلقا منذ أن تقاطعت مصائر الناس وأقدارهم وتوحد الكل في هذا المركب المكتظ، وأصبح تحديق موظف الهجرة في وثيقة سفرك قليلا شيئا يبعث على التوجس والقلق فأنت ما عدت وحدك.
لكننا نسافر وسنظل نسافركيما نرى العالم وما يحوي وحتى نكتوي بألم التجربة ونرى قاماتنا الحقيقية إذا ما وقفنا مع الآخر.. الآخر وحده من يقول لنا على أي المسافات نحن منه وكيف تبدو قاماتنا الحقيقية.
و نسافر أيضا حتى نشتاق لمنازلنا الصغيرة وأسرتنا الدافئة ونشتاق لصوت أذان الفجر ولاشيء يمنح الأمان والسلام كصوت المؤذن في الفجر.
ونشتاق لفنجان قهوتنا وحبر الجريدة المملة وحتى نشعر بثبات الأرض تحت أقدامنا.
واليوم نسافركثيرا لكننا لا نبتعد..نتغرب كثيرا لكننا ننفصل ولا دموع عند الوداع ولا حنين طاغيا في الغياب ولا حتى رسائل ومكاتيب والمسافة لم تعد أبدا مدى، وهي لم تكن يوما مدى.. المدى ما يحفر داخلنا الغياب.
- عمرو العامري