علي الخزيم
ليس من الإنصاف التركيز دائماً على سلبيات المدير والتدقيق بتصرفاته وسلوكياته الإدارية، فمن المنطقي الالتفات إلى بعض الإيجابيات ومحاسن سلوكيات البعض الآخر أثناء إدارتهم للعمل، وهنا تحويم في أرجاء ذكريات قديمة وحديثة نسبياً لالتقاط صور مما يُثْري المعنى المقصود.
ـ حدثني أحدهم أن رئيسه بالعمل منذ أن شاهده لأول مرة لا ينظر إليه بعين الرضى والقبول، لكنه لا يهينه أو يُعَنِّفه، ويتقبل كل مقترحاته بإعجاب ويعمل بها بقدر المستطاع والممكن، وفوجئ بعد أشهر أنه قد رشّحه لمرافقة لجنة من عِلْيَة الموظفين لبلد أوروبي، دخل على المدير يشكره، فقال المدير: الواقع أني لا أرتاح لشخصك لسبب لا أعرفه، لكني أُقَدّر جهودك كموظف ومن الظلم هضم حقوقك؛ وهذه الرحلة كمكافأة لك لتجرب وتستفيد.
ـ توجهت ذات يوم إلى منشأة حسب موعد مسبق لمقابلة مدير مسئول قيل لي أنه بذاك المبنى، لكني بالخطأ توجهت للمجاور واكتشفت الخطأ بعد أن اكتشفت أمراً يدعو للتوقف عنده قليلاً، ذلكم أن رجلاً عمره بتقديري فوق الخمسين هندامه لا يوحي بأنه مدير عام أو وكيل، يأمر وينهي بثقة عجيبة وبعض الموظفين يُقبّل رأسه، (وربما بعض المراجعين دون أن يعرفوا السبب) تحسباً لإنجاز مصالحهم، وعزمت على معرفة من يكون هذا الرجل؟ تطوع أحد صغار الموظفين مفيداً بأنه بواب أو مراسل المسئول، لكنه بنك متنقل يمكن أن يُمَوّل أي موظف هنا، بعد المدير بالتأكيد.
ـ ومثله رجل عربي طويل نحيف يعمل في مستوصف صحي أهلي بحي كنت أسكنه، وكلما دعتني الحاجة وتوجهت إلى هناك أراه يكنس الأرضيات ونحو ذلك، ولاحظت أن جل العاملين من ممرضين وأطقم العمل يهابونه ويسمعون كلامه وتوجيهاته مهما كانت، بل ويعتذرون منه إن هو أبدى أي ملاحظات، وانتقلت من الحي دون معرفة الدوافع.
ـ ومثال لمدير طيب لطيف المعشر سلس الحديث والحوار، تولى إدارة منشأة إبداعية غير أني لو كان الأمر لي لنصحته بالابتعاد عن تلك الإدارة و(غيرها)، فالطيبة لا تكفي وحدها للقيادة، ولا بد أن يعضدها الحزم وتسندها الحكمة باختيار المساعدين (ذوي النزاهة)، وهذا ما جعلني أتنبأ بعدم استمراره وهو ما كان، والغريب أنه بلقبه العلمي يتولى أكثر من كرسي قيادي ثم يغادره سريعاً، ومن طيبته (أو عكسها) لم يستوعب الدروس، فمثل هذا مفيد بموقع إنتاجي لا قيادي.
ـ ومدير عام - عفا الله عنه - أقولها لأنه أولاً قد تقاعد أو مضى، ثم أنه كان رجلاً منتجاً دؤوباً على العمل لا يترك مكتبه طيلة النهار وطرفاً من الليل، ذو خلق قويم وتواضع جم، إلا أنه كان متردداً باتخاذ القرار رهبة وخوفاً من عقدة تخالجه بأنه لا يخطئ، فلم يكن يؤمن بأن من يعمل لا بد يوماً أن يقع في خطأ ولو بسيط، لدرجة أنه يُنَبّه إلى خطأ بآية قرآنيه بمُحَرّر والمصحف بين يديه ثم يُصر على أخذ رأي المسئول الأكبر، ولعلني قد جمعت بين التسلية والفائدة.