سلمان بن محمد العُمري
مع كل جريمة نكراء في مجتمعنا من قبل أصحاب الفرق الضالة والأفكار المنحرفة تتقاذف التّهم وتعلّق الشماعة على بعضنا البعض يوماً على المنزل وتارة على التعليم وبين فينة وأخرى على المساجد والإعلام وهكذا دواليك.
وكل جهة تعلق أنها براء من الأسباب، وأنها قامت بدورها ومسؤولياتها على أتم وجه. والحق أن المسؤولية مشتركة في الأسباب والظواهر وقصور المعالجة، ولا بد من جهد جماعي وعمل مؤسسي للحد من تفاقم هذا الداء ليبقى بلدنا ومجتمعنا آمناً مطمئناً كما كان لا يعرف المنغصات والمكدرات.
ومن بين الأسباب الرئيسة التي غفلنا عنها وهي ذات سبب كبير في اختراق شبابنا في منازلهم وفي غرف نومهم « التقنية الحديثة « ووسائط التواصل الاجتماعي، والشبكة العالمية للمعلومات « الإنترنت « التي فرضت نفسها كوسيلة اتصال فعالة ومؤثرة على العالم بأسره. فإلى جانب أنها قناة معلومات رئيسة يستمد منها المعلومات القديمة والحديثة جميعاً فإنها أيضاً أصبحت قناة اتصال وتواصل عريضة مع المستخدمين لهذه الشبكات والوسائط وبكافة اللغات وبمختلف الأوقات، وهو ما جعلها وسيلة يلجأ إليها الأفراد والمؤسسات والجماعات والدول لتحقيق أغراضهم وأهدافهم في التواصل والتفاعل مع المستهدفين لهم سواء أكانت تلك لأهداف تجارية أو سياسية أو دينية أو حتى تخريبية وإجرامية.
والفرق والمذاهب المنحرفة ليست بمعزل عن هذا العالم فقد استغلوا ذلك في الترويج لمعتقداتهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة، وأصبحت وسيلة لهم في نشر الكذب والضلالات وإغواء الناس، واستطاعوا التكيّف مع هذه التقنية وتسخيرها في تخطّي حاجز الزمان والمكان وإقامة علاقات مباشرة وتواصل مع فئات كثيرة وخاصة الشباب.
وفي الوقت الذي نؤكّد على أنّ القائمين على الدعوة استفادوا من هذه التقنية في دعوة غير المسلمين وعبر لغات مختلفة وبيان محاسنه وتعليم الناس أمور دينهم ونشر الفتاوى والخطب والأخبار والمعلومات المفيدة، وطرح الكتب. ولكن هناك زمرة من أهل الشر بل زمر يعملون ليلاً ونهاراً في الإساءة للإسلام والمسلمين وتشتيت أذهان أبناء المسلمين ما بين من يدعونهم للإلحاد والمروق من الدين وآخرون يدعونهم باسم الإسلام للغلو والتطرف والإجرام ومع الجهل بالدين وحقيقته ومفهوم الشريعة فقد انساق فئام من الشباب للهلاك في الدين والدنيا وارتكابهم لأعمال إجرامية لا تمت لديننا بصلة ولا قربى، ولقد كثرت المواقع المشبوهة على الإنترنت قبل مدة والتي تروّج الأكاذيب وتبث الفتن ولا تزال. ولكن استجد في الأمر وسائط أخرى مع التقنية الحديثة عبر الفيس بوك، والتويتر، والتليجرام ، والواتس أب وغيرها، وهذه المواقع تستطيع التواصل الشخصي مع أي مستخدم للتقنية وتعمل على نشر الأفكار الهدامة والغلو والإرهاب والتطرف وزعزعة الثقة بولاة الأمر والعلماء. وتعمل جاهدة على بث روح الفرقة بين أبناء الأمة وتحاول استغلال الظروف والأوضاع المتوترة في بعض المناطق لإثارة الشباب وتحريضهم ولا تتورع هذه المواقع وأصحابها في الكذب على العلماء والفقهاء وتزويد الفتاوى الكاذبة.
إن على العلماء والدعاة والمربين وأهل الرأي أن يتعاونوا في التصدي للفكر الهدام وعبر وسائله فلا يمكن أن أواجه هذا الكم الهائل من المعلومات عبر التقنية بالوسائل التقليدية القديمة بل يجب أن أنقل المواجهة عبر وسائلهم ووسائطهم وإلا فإن الأمر يزداد سوءاً، ومع أهمية استخدام العلماء والدعاة وأهل الصلاح لهذه الوسائل فلا بد أن يتم أيضاً تغيير لغة الخطاب والحوار ما يتناسب واختلاف المستويات الثقافية والاجتماعية. وأتمنى أن يكون لدى أعضاء هيئة كبار العلماء وكما هو الحال لدى بعض المشايخ فريق عمل من ( التقنيّين وطلبة علم شرعيين ) يتولّون إدارة المواقع الدعوية التفاعلية والترفّع عن الخلافات الشخصية وداء التصنيف لأن المرحلة تتطلّب الالتفاف والوحدة والتعاون، وأن يكون هناك خطة استراتيجية وعبر مؤسسة خاصة تعنى بالأمن الفكري تجمع شتات العمل المبعثر عند بعض الجهات وتقوم بالتنسيق والمتابعة.
وانتبهوا أيها السادة وإلا فالشر ينمو ويكبر. حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه.