تُعدّ التنمية البشرية العمود الفقري لتطور المجتمعات ونمو الحضارات.
ذلك أن العنصر البشري هو رأس المال الحقيقي الذي لا يخضع تقييمه للمتغيرات العالمية، فيبقى الأول على كل صعيد مهما تغيرت أسعار صرف العملات، أو تكالبت القوى العالمية على التكتل لأجل رفع أو خفض بعض مفاصل الاقتصاد العالمية.
إذا أدركت الدول حكومات وشعوباً هذه القاعدة العريضة في المجتمعات البشرية كان لزاماً عليها أن تجعل كبير عنايتها وجلّ اهتمامها في بناء هذا الإنسان الذي بدوره يعمر الأوطان ويحميها.
هذا البناء الذي يرتكز على التنمية والتدريب وفق منهجية شرعية، وأصولٍ عقدية ورؤيةٍ وطنية وسلامةٍ فكرية وإستراتيجية مستقبلية وخطّةٍ طموحة حضارية يتحقق من خلالها صناعة عنصر بشري قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات الحياة المصيرية: الماء، الغذاء، الدواء، والسلاح بفكر سليم منطلق من عقيدة ربانية صافية سليمة على منهج أهل السنة والجماعة، ورغبة واضحة في حياة كريمة آمنة تراعي سلامة المقاصد والمناهج، ومهنية عالية في غاية الجودة والإتقان.
إن الأمن الفكري الذي يجب أن تستحثه المنهجيات العلمية والشرعية هو الذي يقوم على الفهم الصحيح للكتاب والسنة على منهج أهل السنة والجماعة، ويتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان خُلُقُه القرآن، وكان يتعامل مع اليهود والنصارى والمجوس والمشركين تعاملاً يكفل للإسلام عزته وقوته ومنعته، ويبعد عن المسلمين التشاحن والتطاحن والتناحر والطائفية النتنة، ويحمي أمة الإسلام من أن تكون كلأً مباحاً لكل غادٍ ورائح، ويقوم على مبدأ الإتقان الذي يحب الله العمل على أسسه، ويراعي مبدأ الكفاءة في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لأن الحفاظ على هذه المعايير ينتج عن سلامة الفكر وبالتالي تتمخض عنه عقول سليمة تترفع عن أن تسير إلا في وضح النهار، وتكون منيعة قوية صامدة أمام كل محاولات استغلالها وابتزازها تحت ظل الشعارات البراقة المزيفة المغرضة.
إن الأمن الفكري مقدم ولا شك على الأمن العسكري {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (82) سورة الأنعام. فالإيمان المنزه عن الظلم تكفّل الله لأهله بالأمن على مختلف أنواعه في كل زمان وعلى كافة الصُعُد!
إن الفكر السليم الذي يتجذر في الأمم والشعوب يعد القاعدة العريضة التي تنشأ عليها خططها الطموحة ورؤيتها المستقبلية.
فلا بد من العناية بذلك في معية التنمية البشرية في مختلف التخصصات العلمية والتربوية والتثقيفية والتطويرية وسائر المجالات الحيوية التي يجب أن تكون محل عناية المجتمعات الرائدة أفراداً ومؤسسات.
فالعقل السليم والمنتج السليم والحياة الكريمة في الفكر السليم القائم على عقيدة صافية ومنهجية سليمة وانتماء واضح نقي وتقدم ملموس.
من هنا ينبغي على سائر مؤسسات المجتمع أن تلتزم بذلك في خططها التنموية الطموحة، وأن تضع بذوراً نقية يستمد منها الأفراد ثماراً يانعة.
فعناية التنمية البشرية بسلامة الفكر خطوة رئيسة لتحقيق رؤية ناجحة فاعلة متجذرة ثابتة وفي رأس القمة بإذن الله دائمة.