محمد آل الشيخ
من أقوال السلف المأثورة أن (ما يصلح به الخلف هو ما صلح به السلف) وهذه مقولة مقبولة ومعقولة إذا كان الإصلاح المقصود يتعلق بأمور الدين والعقيدة والعبادات، أما الصحويون المسيسون فقد أسقطوا هذه العبارة على كل الشؤون الحياتية قاطبة، دينية كانت أو دنيوية، بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية، وكان طرحهم هذا متسق مع خطابهم الصحوي، الذي يعني أن المسلمين (قبلهم) كانوا نياما، فجاء هؤلاء الفتية فأيقظوهم، وتولوا زمام السلطة الدينية ليعيدوا الإسلام إلى سابق مجده، وخلطوا معه الدنيا وشؤونها الحاضرة، دون أن يتنبهوا إلى حقيقة أن الحضارات الإنسانية للبشر، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، لا تبقى على حال، فهي في تغير وتبدل مستمر، تؤثر وتتأثر؛ لذلك فالثوابت الدينية التي لا تتعلق بالمكان، ولا تختلف باختلاف الزمان، هي العقيدة والعبادات، أما الحياتيات، فلا علاقة لها موضوعيا بالثوابت، لسبب بسيط مؤداه أن ثباتها مستحيل. وقد كنا نقول ونردد ونشرح أن محاولة الصحويين استيراد الحلول لواقع المسلمين الحياتي المعاصر من الماضي السحيق مستحيل، ومتعذر عقلا؛ فلكل زمان قوانينه ومقتضيات معيشته المتغيره والتي لا يمكن تثبيتها فضلا عن أن تعود بها إلى الوراء، فلا يمكن - مثلا - أن تركب بعيرا أو حمارا، وتدع السيارة والطائرة، بحجة أن السلف كانوا يفعلون ذلك، ولا يمكن أن تجاهد غير المسلمين حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا أن تستحل تجارة الرقيق وتسبي النساء لأن الإسلام أباحها؛ إلا أن الصحويين أصروا على استيراد الحلول من الماضي كما هي وتطبيقها على الحاضر دون نقاش، ومن شكك في مدى ملاءمتها للحاضر اتهموه بالكفر البواح، وحكموا عليه بالردة، وأباحوا دمه. كما أن العالم كل العالم في رؤيتهم فريقان، إما كافر يجب أن يؤدي الجزية أو يتم غزوه متى ما توفرت القدرة، أو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا.
داعش كلها شر مستطير، غير أن من حسناتها، أنها أثبتت على الأرض ما كنا نقوله ونردده. فقد عمد الدواعش إلى كتب الفقه الماضية، وقرأوها، واستوعبوها استيعابا حرفيا، وطبقوا على الأرض ما جاء فيها من آراء واجتهادات ومقولات غير مكترثين بقبول العالم بها أو رفضهم لها، فرأى المسلمون أن الأفكار التي كانوا يظنون أنهم سيستمدون منها حلولهم الحضارية، ستؤدي بهم إلى براك من الدماء، مرة تحت مفهوم الجهاد، وأخرى قتال المرتدين، او المشركين، كما رأوا تلك البشاعة والوحشية التي يمارسها الدواعش عندما يُسقطون ما في كتب السلف على الأرض ويفعّلونها؛ عندها أدركوا أن الماضي المجيد الذي ظنوا أن (استرجاعه) ممكن كما كانوا يتوهمون، يعني أن تتحول المجتمعات إلى ما كانت عليه الأمم في القرون الماضية حيث الدماء والحروب الدينية والمذهبية التي لا تتوقف إلا لتبدأ ثانية بين الأمم؛ وهذا ما كنا نقوله ونحذر منه، لذلك يمكن القول وبعلمية أن من حسنات داعش أنها أثبتت وبالدليل القاطع، لعوام المسلمين أن الثوابت هي فقط في نقاء الاعتقاد وتوحيد الله جل وعلا وأما المتغيرات فهي الأمور المتعلقة بشؤون الدنيا، فنحن كمسلمين مطلوب منا أن نحافظ على ديننا، أما دنيانا فنمارس فيها كل ما من شأنه أن يؤدي إلى العيش بسلام ورفاهية، مستفيدين من منجزات البشرية النظرية والعلمية، وأن تاريخنا الذي كان حينها (عظيما) قد تجاوزه العالم المعاصر اليوم في كل المجالات الحياتية ولا يمكن إسترجاعه، وكل من رفض هذه الحقيقة، وأصر على استحضار الماضي، فهو - شاء أم لم يشأ في التحليل الواقعي والموضوعي داعشيا.
إلى اللقاء