زكية إبراهيم الحجي
قديماً ادعى أرسطو بأن الدراما وسيلة هامة للتنفيس عن الهموم والمخاوف.. الضغوطات والأحزان.. الخ.. وانطلاقاً من ذلك تدَّعي هذه النظرية أن مشاهدة العنف عبر وسائل الإعلام المختلفة يقلل من استخدام العنف على أرض الواقع.. بمعنى أن مشاهدة العنف عبر التلفاز أو أي وسيلة إعلامية أخرى يولد ارتداداً عكسياً عند المشاهد.. وحسب ادعاء أرسطو فإنه يُطهر النفس من كل الضغوط النفسية والأفكار السلبية وبالتالي يقل استخدام العنف أو مجرد التفكير فيه.
لا أعتقد أن أحداً من البشر سيوافق أرسطو على هذه النظرية التي لا تمت إلى واقعنا بصلة خاصة ونحن نعيش ثورة اتصالات متسارعة ومتجددة.. العنف أصبح مشهداً يومياً من مشاهد حياتنا نجده في كل مكان في البيت والشارع والمدرسة.. في أخبار الصحف وبرامج التلفاز والصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
إن تنامي العلاقة بين مختلف وسائل الإعلام والترويج لثقافة العنف أثبتت أن هناك علاقة طردية بين تزايد أعمال العنف ونشر ما يحدث من جرائم إعلامياً سواء تلك الجرائم التي تحدث على أرض الواقع كجرائم داعش المرعبة وجرائم الذئاب الفردية.. أو البرامج التلفزيونية التي تُظهر الاستخدام المفرط للعنف سواء العنف الواضح أو العنف الخفي بدءاً من الأفلام والمسلسلات والأفلام الوثائقية وأفلام الكرتون وحتى البرامج الرياضية لم تعد تخلو من مضامين العنف.
السؤال الذي لا يزال يدور في خلدي ولم أجد له إجابة شافية.. هل الإعلام يعكس من خلال تلك المضامين العنيفة التي يمررها الواقع كما هو.. أم أنه يبني واقعاً مغايراً أكثر عنفاً منه في الواقع.. ثم هل العنف ميزة هامة وإجبارية في البرامج التلفزيونية.
وإلى وقت قريب كانت الجريمة في المجتمع حدثاً غير مألوف لكن واقع اليوم ليس كواقع الأمس.. واقع اليوم بات واقعاً عنيفاً ووسائل الإعلام تعكس في نهاية الأمر الواقع العنيف الذي هو جزء منه لا سيما أن العنف له قوة جذب كبيرة لدى المشاهدين.. خاصة فئة الشباب والمراهقين وصغار السن.. وما يؤسف له حقاً أن الإعلام وتحديداً العربي منه يرحب ويروج وبكثرة للرسائل الإعلامية التي تحوي العنف من خلال عرض المشاهد الدموية التي ترحب بالبطل وكأنها ترسل رسالة للشباب والمراهقين ومفادها بأن ما يُعرض يُمثل أنماطاً سلوكية جديدة هي الأمثل لمراحلهم العمرية.. والجميع يعلم كيف أن وسائل الإعلام تسعى دائماً إلى البحث وبجهود استثنائية عن أخبار عنف مثيرة وذات طابع حركي كالصراعات وحالات الإعدام ومشاهد الدماء بل وتعزز ذلك ببرامجها كبرنامج «رامز» الذي عرض في شهر رمضان المبارك عبر إحدى القنوات الفضائية واستحوذ على أعلى نسبة مشاهدة.
العنف في وسائل الإعلام بصورة عامة وفي التلفاز بصفة خاصة شكل خطراً وهدد المجتمع وأحدث شرخاً عميقاً بين الأواصر الأسرية ازدادت نسبة اعتداء الأبناء على آبائهم وأمهاتهم والعكس.. كثر استخدام السلاح بين بعض أفراد المجتمع حتى رجال الأمن لم يسلموا من الغدر.. ولأن العدوان ليس بالعامل الوراثي بل ظاهرة اجتماعية تنمو وتتأصل بفعل تأثيرات تراكمية تتراوح ما بين البيئة والأسرة والغزو الفكري يأتي الإعلام ليعزز ذلك عبر ما يعرضه من مشاهد عنف وتصوير تفاصيل الجرائم وكيفية تنفيذها.
الإعلام سلاح ذو حدين.. لكن وبكل أسف ما يطغى ويهيمن هو الحد السلبي المسموم.