أ.د.عثمان بن صالح العامر
«بوكيمون جو» لا تعدو -في نظري- أن تكون لعبة احترافية مدروسة، عكف على إنتاجها فريق علمي متكامل ولسنوات طويلة برئاسة رجل يدعى «جون»، درس هذا الفريق بشكل جيد أماكن التجمعات البشرية في العالم «15 مليون موقع»، واختار منها ما يتوافق وتقنيات اللعبة، ويلبي غريزة حب الاستطلاع والتشوق لمعرفة المجهول لدى الإنسان، جنس الإنسان على وجه العموم «5 ملايين» -ذكر ذلك عمر حسين في سنابه «حقيقية التجسس في لعبة البيكمون ونظرية المؤامرة»-.
* وهي -لعبة البوكيمون- تعتمد بشكل مباشر على الربط الفعلي بين العالم الافتراضي مع الواقع المعيش، وتعتبر سباقة إلى هذا، وجزماً سيتبعها غيرها من الألعاب الإلكترونية التي تنسج على نفس المنوال، وهذا الأمر تحدث عنه -وبتوسع واستطراد- نبيل النور في سنابه «هل في لعبة البوكيمون مؤامرة».
* بناء على ما ورد أعلاه فإنني أعتقد أن التعلق بهذه اللعبة الرائجة، والحديث الواسع عنها من جميع الطبقات والشرائح المجتمعية مجرد «هبّة « انتشرت بسرعة البرق في العالم «50 مليون تحميل من متجر» App store وGoogle «، حتى وصلت إلى بلادنا وتعلق بها البعض منا، مع أنه -حسب علمي- لم يسمح بتحميلها بشكل رسمي من قبل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، بل إن الهيئة « دعت مستخدمي الأجهزة الذكية إلى أخذ الحيطة والحذر من الألعاب والتطبيقات الإلكترونية التي تستخدم تقنية تحديد المواقع الجغرافية أو التي تستخدم كاميرا الجوال كلعبة، كما حذرت في الوقت نفسه من تهديد هذه اللعبة لبيانات المستخدمين وخصوصيتهم وإمكانية إساءة استخدام هذه المعلومات وتوظيفها فيما لا يخدم مصالح المستخدمين».
ولي إزاء هذه اللعبة وما قيل فيها وعنها قول ثانٍ، أوجزه فيما يلي:
* قول من قال إنها «مؤامرة علينا» غير صحيح، فهي مجرد لعبة عالمية لا تعترف بحدود ولا تؤمن بدين أو جنس أو عرق ووطن، بل إنها لم تدخل عالمنا العربي بشكل رسمي مسموح به حتى تاريخه، وكل من قام بتحميلها جاء بها من الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، ولذلك لا داعي للخوف المبالغ فيه.
* قد توظف اللعبة للتجسس ورصد الاتجاهات أياً كانت، ولكن ليس هذا على إطلاقه، وليس هو الهدف الأساس من ابتكارها كما يظن البعض، فضلاً عن أن جميع التطبيقات الإلكترونية قد تكون مثلها أو أشد في هذا الباب، فالفيس بوك، والسناب شات، والواتس، وتويتر، وجوجل و... كلها تطلُبُ تحديد الموقع ويمكن الاستفادة منها في رصد الأشخاص ومعرفة توجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والعلمية، بل يمكن من خلال التحليل معرفة الرأي العام إزاء قضية ما أياً كانت هذه القضية، ونحن مشاركون في تعبئة الاستبانة ومعلومة الدراسة دون أن نعلم.
* التحريم: من الأشياء التي يؤسف لها صدور فتوى التحريم لهذه اللعبة دون معرفة ما هي وما يترتب عليها، مع العلم أن «الحكم على الشيء فرع من تصوره»، فهي بإيجاز تختلف جذرياً عّما كان قبل 16 عاماً، واحتراماً لمقام الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء التي أعادت نشر فتوى اللجنة الدائمة المحرِّمة للعبة «بوكيمون» لن أخوض في تفاصيل اللعبة وأستعرض جوانب الاختلاف وإن اتفق المسمى، ولعل علماءنا الأجلاء يتعرفون عليها أكثر ثم يكون إصدار الحكم بالحل أو التحريم!!.
* الاستفادة من اللعبة في تطوير التعليم: هذا ما صرح به سعادة وكيل وزارة التعليم للمناهج والبرامج التربوية الدكتور محمد الحارثي لـ»سبق» مساء يوم الاثنين الماضي، ثم عاد الثلاثاء مساءً ليؤكد لصحيفة الوئام الإلكترونية أن «الوزارة لم تتبنى لعبة البوكيمون ولم تعتمدها، وأن الوزارة تأخذ تحذيرات الجهات المعنية بعين الاعتبار»، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على غياب المشروع الإستراتيجي الواضح المعالم بين الخطى، مع قناعتي التامة بأن التعليم يمكن أن يبدع في توظيف اللعب لتطوير مهارات الطلاب وابتكار ألعاب تجمع بين «الافتراضي، والواقع» بما يتوافق وذهنية الإنسان السعودي بعيداً عن الاستنساخ للألعاب العامة التي تخترق الخصوصية وتسبب الأذى للآخرين بصورة أو أخرى كما هو حادث مع البوكيمون اليوم.
* العجيب أن «بوكيمون جو» دخل عالم الشيلات، والنكت، وحذرت القناة الأولى الصغار من التعلق بهذه اللعبة: «المسلم لا يلعب بوكيمون»، وأنشأ المغردون في تويتر هاشتاق «شيلة - بوكيمون»، و»ثلاثة شبان يقتحمون مطار جازان للبحث عن البوكيمون، والجهات الأمنية تلقي القبض عليهم!!».. وفي أندونيسيا «القبض على فرنسي أثناء مطاردته للبوكيمون في قاعدة عسكرية»، والحكايات والقصص والروايات كثيرة وعجيبة؛ ولكن يبقى الأمر في نظري مجرد لعبة جديدة وجذابة لها سطوتها على جنس الإنسان لتوافقها مع تكوينه الغريزي ورغبته في البحث عن المجهول، وستخف هذه السطوة «الطفه» شيئاً فشيئاً مع الزمن، فهل ننزّل الأشياء منازلها، ونتريث حتى تأتي الفكرة بعد الانبهار والدهشة التي تلازم كل جديد مثير وخارج عن المألوف؟.. لعل وعسى، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.