د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
لا يستطيع أحدٌ أن يتوقع اتفاقاً تامّاً بين الناس في آرائهم حول إغلاق المحلات التحاريه في التاسعة مساءً لأن الآراء تنطلق من تفضيلات شخصية مختلفه يجب احترامها. لكن هذه التفضيلات يجب أيضاً أن توزن -عند الوصول إلى مرحلة القرار- بميزان المصلحة العامة، ممّا يتطلّب من البعض تنازلاً عن تفضيلاته الشخصية من أجل المصلحة العامة. ولا يُعدّ هذا التنازل تخاذلاً في التمسّك بحق شخصي، ولا تضحية به، بل هو يخدم مصلحة تعمّ الجميع -بمن فيهم صاحب التفضيل المختلف- لكنها غالباً لا تظهر له في الحال، بل بعد حين. والأمثلة على ذلك كثيرة، نعايشها ونحن راضون بها، بل وممتنّون لها. وبعد أن كنا في البداية نتضايق منها -بعض أنظمة المرور مثلاً- أصبحنا نتضايق من عدم تطبيقها أو التهاون فيه. معارضو الإغلاق في التاسعة مساءً يدلون بأسباب أهمّها:
أولاً- أن الجو حارّ أكثر أيام السنة، فيخرج الناس للتسوٌق والنزهه في النصف الأول من الليل.
هذا السبب -وإن كان وجيهاً- لا يمنع من يريد التسوّق، لأنه يأتى في سيارة مكيفة ويدخل إلى محلات مكيفة، أو هو يقضى لزومه في وقت قصير، كما أن الجو بعد صلاة المغرب لا يزعج حرّه خاصة إذا وجد الحل لمشكلة قصر الوقت. ولا يخفى أن الجو مختلف بين مناطق المملكه، ومختلف بين فصول السنة.
ثانياً- أن الوقت المتاح للتسوّق قبل التاسعة مساءً قصير جداً لأنه مُجزّأ بين (بعد العصر) الذى يقضم جزءاً منه دوام كثير من المؤسسات الخاصة والحكومية، وما بين العشاءين الذي يضيع نصفه في الذهاب والبحث عن موقف للسيارة ثمّ الإياب. وأما في الشتاء فلن يبقى لمن يأتي بعد صلاة العشاء إلا حوالي الساعة.
هذه فعلاً عقبة وقت كأداء.. لكن حلّها ممكن، إذا أُخذ في الاعتبار أنه يمكن إقامة صلاة العشاء جماعة في أي مكان طاهر ومناسب في السوق أو المحل، ومن يريد أن يصليها مع جماعة المسجد القريب، فالمساجد مفتوحة وتقام فيها الصلاة، كما أن تأخيرها مشروع لضرورة عمل أو قضاء حاجة -خاصة- لمن تصحبه عائلته. كلّ هذا يمكّن من اتخاذ قرار بإبقاء المحلات مفتوحة بعد دخول وقت صلاة العشاء حتى التاسعة مساءً، دون إهدار لأداء الفريضه. ويترتب على ذلك عدة مزايا:
- عدم إهدار (45) دقيقة من وقت الدوام مدفوعة الراتب.
- إتاحة وقت أطول للتسوّق بعد صلاة المغرب.
- تقليل الازدحام المروري ومضارّه، وكسب الوقت الضائع من جرّاء هذا الازدحام المضاعف، مرة قبل صلاة العشاء ومرة بعدها.
ثالثاً- ثالث أسباب المعترضين متعلق بالحاجة للترفيه. ففي رأيهم أن ذلك يحرم الناس من متعة الخروج في جوّ الليل المعتدل إلى مراكز التسوٌق بحركتها الدائبة وما فيها من مقاهٍ ومطاعم وملاهٍ، حيث إن بلادنا تفتقر إلى وسائل الترفيه.
وهذه حجة لا أساس لها البتة، إذا تأمّل المعترضون المعطيات التالية:
أ- القرار المعترَض عليه يستثنى المقاهي والمطاعم والملاهي من الغلق في التاسعة مساءً، كما أن الغلق لا يُطبق في ليالي نهاية الأسبوع - فالقرار لم يغلق الباب أمام الترفيه.
ب- غياب وسائل الترفيه (المنشودة) لا يوجب القناعة بالقليل الموجود وجعله مسوّغاً لإطالة دوام المحلات التجارية، بل الأصحّ أنه يوجب السعي الجاد من أجل توفيرها بأنواعها المختلفة والمرغوبة التي تحقق متعة الترفيه العائلي المقبول. ومجتمعنا ينتظر بفارغ الصبر ما ستوفّره هيئة الترفيه لسدّ هذا النقص.
رابعاً- أمّا ما يقال -ربما من باب الفكاهة- أن البقاء في المنزل بدلاً من الخروج للتسوّق والترفيه سيزيد من النسل، بما يترتّب على ذلك من أعباء، فإن هذا لا يمثّل مشكلة في بلد ثلث سكانه من غير السعوديين، ويشغلون أكثر من ثمانين بالمائه (80 %) من وظائف القطاع الخاص.
ما مصلحة الوطن من الإغلاق؟
1- ليالي أيام العمل ليست هي الوقت المناسب للبحث عن الترفيه وترف الاستهلاك خارج المنزل، بل هي للاستراحة من عمل اليوم والتهيّؤ ليوم العمل التالي، والالتفات للحياة العائلية المشتركه، وهذا هو الأنسب لنهج الحياة الإيجابية التي تتميّز بالجدّ والعمل المنتج. وبدون هذا النهج يصبح حديثنا الدائر الآن عن رؤية مستقبلية مجرّد لغو.
2- الكثير من الأحياء السكنية في مدننا محاطة بالمحلات التجارية وصفوف الدكاكين كإحاطة السوار بالمعصم، الإغلاق في التاسعة -أي في وقت مبكر من الليل- سوف يجلب الهدوء والأمان إلى سكانها.
3- الهدف الوطني الاستراتيجي للقرار هو جذب الشباب السعودي للعمل في القطاع التجاري الخاص، الذي يعزفون عن العمل به بسبب طول دوامه، فلا يترك لمن يعمل به الوقت الكافي للوفاء بالالتزامات الأسرية. ومن ناحية أخرى فإن تطبيق القرار سيقلّل حاجة ملّاك المحلات لتشغيل عمالة وافدة تقبل الدوام الطويل والتكلفة الأقل وتجد الفرصة للمتاجرة المستترة. ومن المؤكّد أن توظيف السعوديين في القطاع الخاص سيكون إيجابياً في كل حال وبأيّ نسبة، فهي تخفض نسبة البطالة وتزيد نسبة السعودة بتخفيض نسبة العمالة الوافدة، وتبقى عوائد الوظيفة في الوطن.
الخلاصة هي أن: غلق المحلات في التاسعة مساءً قرار زهيد التكلفة عظيم الفائدة.