د. محمد بن إبراهيم الملحم
برنامج التحول الوطني برنامج رائد وخطوة جريئة من رجل التطوير الطموح صاحب السمو الملكي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وفقه الله وقد لاحظت فيما يخص التعليم بأطروحات هذا البرنامج التوجه إلى فصل إدارات التعليم بميزانيات مستقلة بإشراف مجالس محلية منتخبة ولي ثلاث وقفات هنا
1 - لا شك أن علاج أساس المشكلة هو الطريقة المناسبة للتعامل مع أية أزمة أداء لأية مؤسسة حكومية كانت أو خاصة. وإذا أخذنا بهذا المنطق في تأمل التوجه إلى «فصل إدارات التعليم بميزانية مستقلة» فإننا سنشتق منه أن مركزية ميزانية التعليم ممثلة بتمركزها بديوان الوزارة هي أساس المشكلة أو على الأقل الجزء الأكبر منها، هذا ما يقوله القرار بلسان الحال. والواقع أن هذه فكرة مخادعة ، فعلى الرغم إن «المركزية» بإطلاق المصطلح إداريا هي معوق للنمو السريع في الإنجاز إلا أن مشكلة المركزية في الميزانيات الحكومية ليست في تمركزها لدى الوزارة المختصة (فهذا شكل بسيط لها وله حلول فعالة نسبيا وقد مارستها وزارة التعليم بتفويض الصلاحيات بدرجة جيدة) ولكن الأمر يكمن في تمركزها لدى وزارة المالية فتعليمات وزارة المالية وكذلك مستوى أدائها هما العاملان اللذان يحددان أداء الوزارات المختصة على صعيد الميزانية. وإذا منحت الإدارة الفرعية (لأية جهة حكومية ليس التعليم فقط) الميزانية المستقلة فهي إنما تمنح هذه الميزانية من لدن وزارة المالية وبالتالي لا زال أساس المشكلة موجودا ونكون وقعنا في فكرة مخادعة أننا تخلصنا من «المركزية» بينما ما حدث هو نقل تلك المركزية من الوزارة إلى الإدارات الفرعية لتكابد هذه الإدارات العناء ذاته التي كانت تكابده الوزارة المختصة مع مركزية وزارة المالية. بل إن تصدي الوزارة المختصة لمشكلات المركزية مع وزارة المالية وهي جهة في نفس مستواها (وزارة) هو أهون مما سيحدث بالنسبة للإدارات الفرعية.
2 - لا أدري ما سيكون دور المجلس التعليمي المحلي المنتخب في الإشراف على الميزانية المستقلة ؟ وفي تقديري أن ذلك لن يتجاوز ما نراه اليوم في المجالس البلدية والتي لا تملك من الصلاحيات ما يؤهلها لتحقيق إنجازات مميزة ذات تأثير عميق يبرر وجود هذه المجالس وما يصرف عليها سواء في التشغيل أو الإنتخاب. ولن يتسنى لمجلس محلي أن يؤثر على صعيد الميزانية ما لم تتحول الميزانية الحكومية إلى نظام البرامج بدلا عن النظام المركزي الحالي، يمكن أن يحقق إنجازات أخرى في الواقع إذا منح صلاحيات تعيين القيادات والموافقة على المشروعات وبرمجة الميزانيات. أما بالوضع القائم فلا أعتقد أنه ينافس محدودية مجلس الشورى بل إن دور الإعلام أقوى منه في كثير من الأحيان !
3 - أشير إلى نقطة مهمة جدا وهي نضوب القيادات في وزارة التعليم وعدم توفر برامج تعويضية للقيادات المتسربة وهذا ما أدى مؤخرا إلى تراجع نوعي واضح سواء في معالجة المشكلات أوفي ما يقدم من مشاريع تطويرية. ونقص القيادات له دور كبير في تحديد مسار التحول الوطني المنشود إذ ينبغي أن يراعي المخططون تبني إستراتيجيات قابلة للتطبيق في ظل الإمكانيات البشرية المحدودة المتوفرة حاليا. أدعو وزارة التعليم (وكل الوزارات) إلى تبني مشروع بناء القيادات بمستوياتها المختلفة وقد كات شركة تطوير التعليم القابضة قد شرعت في التخطيط لبرنامج من هذا النوع لكنه كان فيلا أبيض White Elephant ولم يبن على أسس واقعية فلم يكتب له الإستمرار ومات في طفولته (ولا أقول في مهده لأنه قطع شوطا جيدا في التخطيط والبناء).