د. أحمد الفراج
شهدت الأيام الأخيرة حراكا محليا دراماتيكيا، خارج نطاق العقلانية، ولم يكن ذلك بسبب حدث محلي، بل بسبب ما قيل انه انقلاب عسكري في تركيا، ولست هنا بصدد تحليل ذلك الحدث، أو التعليق عليه، فهو شأن تركي خاص، بل لدراسة ظاهرة تعلق الحزبيين السعوديين، وتحديدا الإخوان المسلمين والسروريين، بتركيا وزعيمها، على حساب وطنهم وقادته، وهي الظاهرة التي سبق أن دعوت، ولا زلت أدعو زملائي الأكاديميين، المختصين في علم النفس والاجتماع لدراستها، فقد أصبحت ظاهرة مزعجة، تستحق التوقف كشأن وطني وأمني هام.
كان حماس الحزبيين السعوديين على أشده، وحصلت تجاذبات لا تخطر على بال، وقد كان لافتاً أن أكثر من انزعج من الانقلاب التركي، ثم احتفل بفشله، هم أكثر الحزبيين السعوديين تشدداً، وهؤلاء هم، ذاتهم الذين وقفوا، ولا زالوا يقفون، ضد كل حراك تنموي محلي، فقد أقاموا الدنيا، بعد إقرار برنامج الابتعاث، ثم أثاروا شغباً كبيراً، اعتراضاً على عمل المرأة، ولا زالوا يفعلون ذلك، وما أن فشل الانقلاب التركي، حتى هللوا وكبروا، وتبعوا سنة شيخهم، يوسف القرضاوي، وتحدثوا عن الزعيم التركي وكأنه حامي حمى الدين، ولا أذكر أنهم كتبوا حرفاً واحداً عن قيادة المملكة، بلد الحرمين الشريفين، ولا عن جهودها المحلية، والإقليمية، والدولية، خصوصاً ما يتعلق بخدمة المسلمين، كما لا أذكر أنهم تعاطفوا مع أي قضية وطنية، ولم يسبق أن شجبوا أي حادثة إرهابية، إذ هم متخصصون بنقد وطنهم، والتعريض برموزه، وتشويه سمعة الوطنيين من إخوتهم المواطنين، وأكثر ما يتميزون فيه هو التعريض بوطنهم، والشماتة به.
كان الأطرف، والمثير للسخرية، هو أن أحد قيادات التيار السروري السعودي المتشددين، والذي اشتهر بمناكفة الدولة عند كل حراك تنموي لها، لدرجة أنه، ذات مرة رتب مع مجموعة من مريديه وقفة احتجاج أمام الديوان الملكي، وأثار ضجة وصخباً كبيرين، وذلك احتجاجاً على جهود الحكومة لحل مشكلة البطالة، وتمكين المرأة السعودية من العمل، وفق الضوابط الشرعية!!، ومع ذلك أثار، ولا زال يثير الفتنة حول هذا الأمر، حتى يومنا هذا، فقد كان حماسه لفشل الانقلاب التركي، وتمجيده للرئيس التركي يفوق الوصف، علما أن تركيا بلد تعتز، وتفتخر بدستورها العلماني، ويؤكد مسؤولوها دوما على هذا الأمر، وغني عن القول أن هذا المتشدد السروري يصف الوطنيين السعوديين، خصوصاً مسؤولي الصحف وكتابها، بأنهم علمانيون، من باب الشتيمة لهم، ومع ذلك فقد كاد أن يفقد صوابه احتفالا بانتصار الرئيس التركي على الانقلابيين، علما بأن هذا الرئيس يؤكد بنفسه دوما بأن تركيا بلد علماني، ويحكمها دستور علماني!!.
ما حصل أمر غريب، يمكن وصفه بالجنون الحزبي، ويستحق وقفات، إذ إن هؤلاء الحركيين الحزبيين السعوديين (الإخوان والسروريين)، الذين يثيرون الفتن داخل وطنهم، ويتهمون حكومتهم، التي تحكم بالشريعة الإسلامية، بما ليس فيها، في كل حين، هم أنصار مخلصون لدولة اقليمة تعتز بعلمانيتها، ولزعيم اقليمي يعتز بعلمانيته كذلك، ما يعني أن «الدين» ليس المحرك لهؤلاء، كما يزعمون، بل السياسة، وبالتالي فإنه حان وقت وقفة حقيقية جادة مع هؤلاء الحزبيين، لأن ما يفعلونه يدخل في «باب الخيانة الوطنية» بامتياز، فلعلنا نرى تحركاً جاداً، فالأمر أكبر مما نتخيل، ولي عودة لهذا الموضوع في المقال القادم، فالأمر يستحق متابعته والكتابة عنه، نظرا لخطورته على أمن الوطن!.