فضل بن سعد البوعينين
كما أشرت في مقالات سابقة؛ كانت الحكومة الأمريكية ومؤسساتها الأمنية؛ أكثر العارفين ببراءة السعودية من أي دور في أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ وهو ما كشفت عنه الصفحات السرية للجنة التحقيق التي أعلن عنها مؤخرا؛ والتي كشفت أيضا حجم التضليل الذي مارسه الإعلام الأمريكي وبعض أعضاء الكونجرس؛ وفي مقدمهم؛ بوب غراهام، العضو السابق وحاكم فلوريدا؛ بالرغم من إلمامهم التام بمحتوى الصفحات السرية التي حجبت من أجل «حماية» المصالح الأمريكية من المخاطر كما يدعون؛ والحقيقة أن إخفاءها لم يكن إلا حلقة من حلقات التخطيط الاستخباراتي الممهد لاتخاذ قرارات حاسمة تعتمد التضليل أساسا لها؛ وتوجيه الرأي العام وتأليبه على السعودية والضغط عليها وتحييد دورها في التدخلات الأمريكية في المنطقة التي تسببت بدمار العراق وتحوله إلى دولة فاشلة؛ وتعزيز دور إيران ومحاولة تصعيد «الإخوان» إلى سدة حكم الدول العربية.
في 17 إبريل؛ وقبل نشر الصفحات المحجوبة من التقرير؛ قال بوب غراهام لقناة cnn الإخبارية «السعوديون يعرفون ما قاموا به في الحادي عشر من سبتمبر ويعرفون أننا نعلم ما قاموا به، على مستوى المسؤولين البارزين في الحكومة الأمريكية على الأقل.... هناك محتويات في هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق التي ستشير إلى وجود علاقة في المستويات العليا بين المملكة والمختطفين التسعة عشر». رُفِع الحجب عن الصفحات الثماني والعشرين؛ التي كشفت إدعاءات «غراهام» الباطلة، وما روجته ماكينة الدعاية الأمريكية!.
بعيد الكشف عن الأوراق المحجوبة؛ قال عادل الجبير؛ وزير الخارجية السعودي؛ لـ CNN : إن «ما أجده مفاجئا هو أنه وعلى مدى ثلاثة عشر عاما قال أشخاص مثل بوب غراهام والذي ترأس لجنة التحقيق أن الصفحات تحتوي على أدلة تدين السعودية فيما يتعلق بالمشاركة في 11 سبتمبر» في الوقت الذي توصلت فيه الجهات المختصة بعد توليها التحقيق في الصلات المزعومة؛ «أن ليس هناك أدلة صلبة» على علاقة السعودية؛ وبالرغم من وضوح النفي إلا أن (بوب غراهام) «استمر في تضليل العامة من خلال القول إن هناك أدلة». الجبير أكد أن الوقت قد حان لطي التكهنات وتجاوز نظريات المؤامرة؛ التي أعتقد أنها ستستمر بوجود أشباه «بوب غراهام» وعملاء (الصهيوصفوية).ليست المرة الأولى التي تتبنى فيها الحكومة الأمريكية معلومات مزيفة لخلق واقع معاش تبنى عليه قرارات إستراتيجية مؤثرة. شهد العقد الماضي تحولا في السياسة الأمريكية وهو تحول لم يكن ليمضي لولا (شيطنة) السعودية على نطاق واسع وربطها بالإرهاب؛ وتحميلها مسؤوليته؛ وهي تهم كشف الغرب بطلانها بعد تنفيذهم مخططاتهم الإستراتيجية في المنطقة.
سيطرت الشركات الأمريكية على النفط العراقي؛ وسلمت الحكومات الغربية المنطقة لإيران؛ فتقاسموا ما تحت الأرض وفوقها؛ في الوقت الذي ساهم فيه خونة العرب بتنفيذ مخططات الغرب؛ وما زالوا يفعلون.
الكشف عن الصفحات السرية الثماني والعشرين ليست نهاية التجني والكذب على السعودية؛ بل تمثل ذروة الإستفادة من أداة إستخباراتية تم خلقها من أجل تحقيق أهداف محددة. إغلاق ملف الصفحات المحجوبة سيتبعه فتح ملفات أخرى لإشغال المملكة؛ وتغذية الرأي العام الغربي ضدها؛ والتأثير السلبي عليها. التعامل مع المخططات الغربية وفق سياسة ردود الأفعال ستستنزف الجهود؛ وستؤثر سلبا على تركيز الحكومة في الجوانب التنموية الإقتصادية والأمنية والدبلوماسية؛ وتدفعها بشكل مكثف نحو معالجة الملفات الدولية الملتهبة التي تقحم فيها تباعا دون أن يكون لها يد فيها.
التخطيط الإستراتيجي في الجوانب الإقتصادية؛ التنموية؛ الأمنية والمجتمعية هو ما نحتاج للتركيز عليه بمعزل عن المؤثرات الخارجية التي تهدف إلى إستنزاف الجهود وإشغال الحكومة عن مسارها الرئيس. تقوية الجبهة الداخلية وفق أسس التنمية الإقتصادية من أهم الخيارات المتاحة لمواجهة الغرب؛ ومخططاته الشيطانية؛ والقضاء بشكل مباشر على كل عميل يتجرأ أن يخدم المصالح الغربية أو الإيرانية في الداخل.
«ثلاثة عشر عاما من التضليل» بُنيت على قاعدة الصفحات المحجوبة من تقرير الحادي عشر من سبتمبر؛ وأعواما سبقتها من التضليل الاحترافي الذي كان نتاجه دمار العراق؛ والسيطرة على ثرواته النفطية؛ وتصعيد الإخوان وإيران؛ وضياع سوريا واليمن؛ وزعزعة مصر واستمرار العمل لزعزعة أمن دول الخليج وفي مقدمها السعودية.
أعوام من الكذب والتضليل الغربي الممنهج الذي عجز العرب عن فهمه ومواجهته حتى باتوا جزء من وقود مخططاته الإستراتيجية؛ وصوتا لماكينته الدعائية المحترفة التي سلطت على دولهم وحكوماتهم ومقدراتهم التي سيكونون أول الفاقدين لها؛ والباحثين عنها؛ والنادمين عليها حين لا ينفع الندم. العراق؛ ليبيا؛ اليمن وسوريا عبرة للمعتبرين.