علي الخزيم
كنت عند مدير للعلاقات بناء على موعد مسبق لعمل إعلامي حوالي الساعة التاسعة صباحاً، فدخل علينا أحد موظفي الحراسات الأمنية وربما ظن أني أحد موظفي الإدارة، وبعد التحية توجّه للمدير يقول باللهجة الدارجة: (يا أبو فلان طالبك طلبة، المدير العام -أو أنه أعلى قليلاً- كل يوم يطلب مني حاجة وانا ما أعرفها، يقول إننا مقصرين بحقه، تكفون جيبوها لو على حسابي)! سأله المدير: ما هي؟ أجاب: شيء يقال له (سرتيج)، يقول إننا ما نعطيه إياه، إذا حضر صباحاً ولم يجدني على الباب الداخلي باستقباله ومرافقته إلى مكتبه ورفع بشته من على كتفه وتعليقه بالمشجب؛ يغضب ويردد هذه الكلمة، وكثيراً ما يطلب تبكيري إلى مكان نزوله من سيارته أنا وزميل آخر وحمل حقيبته ومرافقته حتى بالمصعد، فاتصل مدير العلاقات بمكتبه واتضح له أن المسؤول يريد مزيداً من إضفاء القيمة والمركز والأهمية (prestige) على مقام وشخص سعادته أمام الموظفين وكافة المراجعين.
كمتفرج لم أستغرب من الموقف، وأشفقت على الحارس فلم اُبْدِ أي ابتسامة حاول مدير العلاقات أن نضفيها على الحدث، فهذا الموظف الكادح يعمل بصدق وليس ذنبه أنه لم تتم توعيته بمثل هذه المراسم، وربما يتحمل مدير العلاقات جُلّ المسؤولية، وعليه اختيار الشخص المناسب لكل مهمة، ومسألة البريستيج أحياناً كثيرة تحتاج إلى نوع من الموظفين يجيد التمثيل، ويغوص في أعماق شخصية المدير دون وجل ولا حياء فأغلب المدراء ورؤساء الدوائر يسمحون لهذا الممثل اللطيف بملامسة خصوصياتهم ليُحِيط برغباتهم، وليُكمل مظاهر يَعدّونها من مقومات المدير الناجح أو على الأقل المُهاب؛ فلا يهم النجاح (عند بعضهم) إذا توفرت الهيبة، ومن تجارب وقصص متواترة يستفاد أن من يحرص على البحث عن الهيبة بين الموظفين فهو بالغالب يفتقر إليها في حياته خارج العمل، والواثق هو من يُكَرّس وقته وجهده للعمل والإبداع ونشر هذه الثقافة بين مرؤوسيه.
ذكّرني حارس الأمن حينما تحدث عن حمل الحقيبة بقصة وافد جاء متعاقداً مع مؤسسة ذات علاقة بالشأن الإعلامي وكان في طور التعريف بنفسه ويردد أنه في عمله ببلاده قد بلغ شأواً بعيداً لدرجة أنه كان من المرشحين لاستلام (شنطة) لأوراقه، هنا تبرز غلبة المظاهر على منهج الإبداع والابتكار ببعض مؤسساتنا العربية، ومن خلال متابعة قريبة وقصص تُرْوَى يتبين أن حقائب (بعض) المدراء لا تحوي غير شطيرة جبنة بالعسل، وثمرة خيار وتفاحة وعلك النعناع، وفي جيوبها عناوين فنادق وفواتير مصروفات انتداب مضى زمنه وقلم حبر جاف بدون غِطاء، ثم يقول: أنتم تهضمون بريستيجي ومقام حقيبتي! حقيبة تلميذ رابع ابتدائي أوفر حظاً منها.
والواقع أن صاحب البريستيج هذا أرحم من مدير عام في منشأة حضر صباح أحد الأيام ودخل المِصْعد فشم رائحة (فول وكبدة) فأصدر تعميماً شديد اللهجة بهذا الخصوص، وأوعز سراً لمدير مكتبه بأن يخصص له مصعداً لا تمتطيه بقية الرعاع، يتولى أمره حارس أمن بتفويض عالي الصلاحية.