د. فوزية البكر
تسابقت صحفنا الوطنية لتضع في صدر صفحاتها الأولى أخبار جامعاتنا وفي كل المناطق تبحث عمن يدرس فيها من غير السعوديين:
«تضاعفت التأشيرات الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس الأجانب في الجامعات السعودية 400% خلال عام 2016 بواقع 1908 تأشيرات مقابل 470 في 2015، فيما بررت الجامعات ذلك بإعلانها عن الوظائف الشاغرة، إلا أنه لم يتقدم لها أحد من المواطنين المؤهلين».
ومن خلال طريقة نشر الخبر يتضح فيه مدى (التعيير) والتشهير المقصود لهذه الجامعات (غير الوطنية) التي تستهدف إعطاء الوظائف لأجانب، في حين كان الأجدر بها توظيف خريجي الجامعات المحلية الذين لا يجدون وظائف خاصة خريجو الكليات والأقسام الشرعية التي يفيض بهم سوق العمالة.
ورغم أن وزارة التعليم العالي نفسها ومنذ العام 2013 كانت قد شرعت في الحد من استقدام الأساتذة الأجانب في تخصصات الشريعة واللغة العربية، وذلك أملا في فتح المجال لخريجي الجامعات السعودية الذين يكتظ بهم السوق إلا أن التخصصات الأخرى وخاصة في الجامعات الناشئة وفي المناطق البعيدة عن العواصم الحضرية ما زالت تتطلب الإخوة المتعاقدين فهل هذا عمل (غير وطني) كما أرادت له بعض الصحف المحلية أن يظهر؟
أولا: أود أن أوضح أن قرار وزارة التعليم العالي بالحد من التعاون مع جامعات عربية في تدريس تخصصات محددة مثل الشريعة واللغة العربية ليس بالضرورة صحيحا فجامعات المغرب العربي تحديدا تضم أفضل الأساتذة في هذين التخصصين وكان الأجدى وطنيا تحديد بعض الجامعات العربية المعروفة عالميا في بعض تخصصاتها الإنسانية حتى لا تقع ضمن هذا الحضر وذلك لإثراء هذين التخصصين بتنوع الخلفيات العلمية والمجتمعية لمن يقومون بتدريسها.
ثانيا: لماذا تلجأ الجامعات السعودية إلى استقدام أساتذة غير سعوديين؟ كما هو واضح في الخبر فقد تم الإعلان عن هذه الوظائف ولم يتقدم عليها أحد؟ شيء غريب؟ كيف وبعض جامعاتنا تخصصت في تخريج المئات من حملة الشهادات العليا لدرجتي الماجستير والدكتوراه؟
بالطبع لأن العمل في أي جامعة يحتاج إلى تدريب طويل من التدريس والبحث والنشر للوصول للدرجات العلمية التي تحتاج إليها الجامعات للتدريس في مرحلة البكالوريوس والأمر أهم لبرامج للدراسات العليا التي لا يقوم عليها إلا من يحمل الدرجات العلمية المطلوبة في الجامعات وهي درجتي أستاذ مشارك وأستاذ (برفيسور) وهذا ما قد لا يتوافر في خريجي الجامعات المحلية مما اضطر جامعاتنا للبحث خارج حدودها المحلية.
هل أنا مع المحلية في وظائف التدريس الجامعية؟ أبدا. فما يقتل التعليم الجامعي بشكل عام وفي أي مكان في العالم وما يؤدي إلى تهاوي المستويات العلمية للطلبة ولمحتوى المواد المقدمة ولنوعية التدريس والإشراف هو وضع هذه الحدود المحلية لفرضها على التعليم الجامعي مما يؤدي إلى الاضطرار بحكم الوطنية إلى تعيين بعض الأساتذة من خريجي الجامعات المحلية الذين قد لا يتمتع بعضهم بالتنوع العلمي والثقافي وإجادة اللغة الإنجليزية التي تمكنه من الاطلاع على آخر ما ينشر في مجال حقله وكلها مهارات يحتاج إليها أستاذ الجامعة أيما حاجة.
وظيفة أستاذ الجامعة ليست وظيفة مكتبية أو حكومية يستطيع أي خريج أن يقوم بها كما يصبو (دعاة توطين الوظائف الجامعية). ولو أن هذا صحيح لتمكنت جامعات الولايات المتحدة الأشهر من أمثال معهد ألم أي تي أو هارفرد أو جامعة ميغيل في كندا من الاكتفاء بمواطنيها، فعمر التعليم والبحث العلمي في هذه الدول أقدم من أن يكون موضع تشكيك لكنها ما زالت وحتى اليوم تحاول جاهدة استقطاب أهم المهارات العالمية بغض النظر عمن تكون ومن أين وهو ما حقق التميز لهذه الجامعات التي تدفع الملايين لاستقطاب أهم العلماء والمبرزين في مختلف الحقول ولم يتهمها أحد (بعدم الوطنية).
التعليم الجامعي يحتاج طاقات متمكنة أمضت عمرها في التعليم والتأليف والبحث العلمي والانفتاح على الثقافات المختلفة ولا يهم هنا ما هي الجنسية محلية أو غير محلية: العبرة هي في المعطى العلمي والقدرة على خلق مجتمع المعرفة ولهذا فلا يوجد سن للتقاعد في الجامعات الأشهر في العالم فحتى تصل إلى درجة أستاذ فالطريق طويل ولذا فليهدأ دعاة التحامل على جامعاتنا الوطنية لأنها بحرصها على مستوى الأساتذة فيها إنما تهدف إلى خلق طلاب متمكنين عبر أساتذة متميزين.