إن تعريف الرقابة الذاتية (سلوك عقلي وجداني وشعور داخلي يظهر في تصرفات الشخص وسلوكه وتعامله مع من حوله) فمن يملك هذه الرقابة يمتلك حساً رفيعاً وإحساساً مرهفاً وذوقاً سليماً تضايقه التصرفات السيئة وينزعج منها بل إنه لا يكتفي بذلك فهو يحاول أن يعدل ويصحح تلك الأخطاء أو التصرفات بقدر استطاعته.
الرقابة الذاتية وهبت النبي يوسف عليه السلام وحصنت أن يقع في الخطأ عندما رأى برهان ربه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} سورة يوسف آية 24.. تمنع الشخص إذا أؤتمن على مال عام للدولة أو مال خاص لغيره أن ينوي أو تحدث به نفسه أن يختلس منه أو حتى يستفيد منه بطرق غير شرعية فهناك رادع داخلي يمنعه.
تمنع الشخص أن يتعاون أو يتلاعب أو يغش في عمل أسند إليه ويتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه) رواه الطبراني.
من لديه رقابة ذاتية يصعب أن يغادر المكان الذي استعمله متسخ من دورة مياه ومخلفات حدائق عامة أو خاصة أو حذف علب مناديل من مركبته أو البصق وتنظيف الأنف في الأماكن العامة أو الخاصة يراعي شعور إخوانه المسلمين في المساجد وحرمة بيوت الله بعدم ازعاجهم بالحركات والأصوات المقززة والروائح الكريهة وملابس النوم غير اللائقة والتي لا يمكن أن يذهب بها إلى مدرسته وشركة أو دائرة حكومية.
ولا يحذف نعليه أمام مدخل المسجد يضعها بعيداً أو الأماكن المخصصة لها عند المداخل يمنعه أن يقف في عربته وقوفاً عشوائياً يستأثر ويحرم الآخرين من الاستفادة من المكان المخصص أو يغلق على العربات ويعطل أصحابها وهو ما يحدث في المساجد ومواقف المحلات والمستشفيات وغيرها حينها يصرف للمتعطل بآسف عطلتك. يلتزم بقوانين وأنظمة الدولة وما يفرضه المجتمع وبدون رقيب فهو رقيب نفسه إن الرقابة الذاتية وللأسف فقدت في الكثير من الناس مع أن ديننا الإسلامي يحثنا بتقوى الله في جميع أعمالنا وتصرفاتنا ففي القرآن الكريم والسنة النبوية ما يحث على غرس هذه الفضيلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
فالرقابة الذاتية شرطي في العقل الباطني والضمير الحي يعمل على كبح جماح النفس الأمارة بالسوء وسمة يتصف بها المسلم قوي الإيمان الذي يحب لغيره ما يحب لنفسه فالإسلام غرس الرقابة في الاحتساب في الأجر والثواب في السلوكيات بالأقوال والأفعال.
إن المواطن الغربي والذي نتندر في مجالسنا في تطبيقه الصارم للقوانين والأنظمة ليس نتيجة لرقابة ذاتية ودافع أخلاقي بل قوة فرض النظام وما يترتب على المخالف من غرامات مادية ومحاسبة شديدة ومع الأسف أن مجتمعنا العربي الإسلامي فقد الكثير من شبابه الرقابة الذاتية وتمادى وتهاونه وسخريته في الأنظمة واستهتاره بها ولم يقتصر على فقد الرقابة، فقد الحياء عوائل بأكملها من صغير وكبير تترك المتنزه البري والحدائق بمخلفات لا تتصور أن هذا المكان جالس فيه إنسان بل بعض الحيوانات مثل القطط أكرمكم الله تحثوا على مخلفاتها التراب. يقطع الشباب الإشارة عينك عينك أمام الناس ويفحط في الشوارع والميادين.
في الواقع أن مجتمعنا في منزلق خطير، حيث فقد الرقابة الذاتية والعقوبات والأنظمة الصارمة فلا رقيب ولا حسيب كل هذه السلوكيات التي ذكرتها وغيرها من السلبيات التي ظهرت في المجتمع أعتقد أن سببها مخرجات تعليمية ضعيفة متدنية المستوى لأن الإنسان منذ طفولته ومراحل عمره لديه غرائز فطرية وقدرات عقلية ومواهب كامنة إن لم يهتم التعليم بها وترعاها وتكون من أهدافها أصبح المخرج خداجاً ناقصاً لا يفيد مجتمعه أليس الأب والأم والمعلم والموظف والتاجر والمواطن الذي يعمل في شتى الحرف وإمام المسجد والخطيب وغيرهم من أفراد المجتمع أليسوا من مخرجات التعليم أين ذهب دورهم في غرس فضلية الرقابة وفي عدم ظهور هذه السلوكيات السيئة في المجتمع وأخيراً إذا جعلت الرقابة الذاتية هدف في تربية النشأ تعافى المجتمع من الظواهر السلبية وأصبح مجتمعنا خيراً ذا أخلاق عالية وسلوكيات راقية ولديه مبدأ احترام الآخر وتطبيق الأنظمة والقوانين وتعزز ولاء الفرد لوطنه ومجتمعه وما يكلف به من عمل بسبب ما يملكه من رقابة ذاتية وضمير حي ولن يتعافى المجتمع وسوف تزداد هذه الظواهر الخطيرة إن لم تدارك الأمر باستراتيجية تربوية تعليمية تأسس لنشأة جيل جديد يحمل سلوكيات وأخلاقيات وقيم ومبادئ تحليها وتزينها رقابة ذاتية.
وأتمنى من وزارة التعليم ومسؤوليها أن تدرس وتراجع تلك المخرجات وظواهرها السيئة من البذرة الأولى، حيث إن معالجة تلك الظواهر عندما تظهر غير مجدية.
أسأل الله أن يحمي مجتمعنا ويعافيه من كل السلبيات وترزقنا مجتمعاً خيراً صالح يمتلك أفراده رقابة ذاتية تجمل أقواله وأفعاله ونموذجاً في تطبيق تعاليم الإسلام وأخلاقياته التي أخذها الغربي بلا إسلام والله ولي التوفيق.
- عنيزة