محمد أبا الخيل
سان فرانسسكو مدينة ليست ككل المدن، عرفتها في سبعينات القرن الماضي عندما كنت طالباً أدرس الإدارة في كلية نوتردام التي أصبحت اليوم جامعة نوتردام دينمور في مدينة بلمونت التي لا تبعد عن سان فرانسسكو أكثر من 30 كيلو متراً، منذ 10 سنوات أصبحت أقضي إجازتي الصيفية في منطقة خليج سان فرانسسكو، وفي كل عام ألاحظ تغيراً ما في التكوين السكاني والاجتماعي للمنطقة يبرز أثره أكثر في المدينة التي يحلو لأهلها تسميتها (سان فران)، كل شعوب الأرض ممثلة في هذه المدينة بلباسها وعاداتها وطعامها ومعابدها, والكل يجد فيها غايته ومتعته وثقافته، هذه المدينة عقد فيها المؤتمر الأهم في تاريخ العالم وهو مؤتمر تأسيس هيئة الأمم المتحدة، وكأن المؤتمرون حينها أرادو لهذه المدينة أن تكون مدينة العالم.
في سان فرانسسكو وحدها (6) مساجد يصلي بها مسلمون مختلفو المذاهب، فتجد الشيعي بجانب السني والقادياني بجانب الإخواني ولا أحد منهم يجادل مذهب الآخر وكأن نظام المدينة الساحرة قد حكم عليهم بالإخاء الذي يفتقده إخوانهم في بلادهم، في هذه المدينة انطلقت حركات التحرر بحيث أصبحت الحرية المطلقة هي القاعدة مع سيادة لقانون التعايش، لذا لا أحد فيها يناقش الآخر إلا ليتعلم، ولا أحد يعترض على خيارات الآخرين مهما كانت سوى أن هناك قانوناً عاماً يضبط الظهور الملائم في الأماكن العامة، سان فرانسسكو هي أيضا مدينة السلام حسبما يصفها محبوها، فمنها انطلقت دعوات وقف الحروب وما زالت هي المدينة التي يقصدها رواد السلام للتظاهر ودعم حركات التحرر العالمية.
تتميز سان فرانسسكو بكونها أكثر المدن الأمريكية احتواء لفاقدي السكن أو المشردين والسبب أنها أكثر المدن توفيراً للسكن المحدود لهم وتسهيل نشاطاتهم اليومية وتعامل الشرطة معهم، ولكونها مدينة تعج بالسياح الذين عادة ما يكونوا كرماء في عطاياهم فيعتمد المشردون على إمتاعهم بما يعرضون من فنون فمعظم المشردين في المدينة من ذوي المهارات الفنية أو الثقافية ولكن الحياة جافتهم إما بالإعاقة أو الإدمان أو الخلل النفسي، ومع ذلك يلونون المدينة بعطاءاتهم الفنية، فتجد عازف موسيقى ماهر يطرب الأسماع وليس عليه سوى الأسمال ومع ذلك يبتسم لكل من يقف إعجاباً بفنه وتجد رساماً قد أشاح عن لوحة عظيمة رسمها بالطباشير على جدار مبنى مهجور أو متهالك، وتجد الراقص ومحترف الحركات المثيرة للإعجاب، كل هذه يحدث في مدينة هي مسرح من الفنون غير المعتادة.
في كل القارة الشمالية لأمريكا وفي سان فرانسسكو فقط، تستطيع أن تقول إنك في مدينة غير أمريكية، فالعالم هنا قد اختصركموجز في هذه المدينة فمثلاً في شارع (Polk) تجد يافطة كتبت بالعربية يجاورها يافطة أخرى كتبت بالتايلندية ثم يليها أخرى كتبت بالهندية وأما الصينية والكورية فتجدها في كل مكان، في هذه المدينة فقط تستطيع أن تطلب اللحم (الحلال) يصل لمنزلك خلال دقائق، وفي هذه المدينة فقط تستطيع أن تطلب من المطعم الإفصاح عن مكونات وجبتك ولك الحق في جلب اللحم المفضل لك وطلب المطعم إعداده بالصورة التي يقدمون بها وجباتهم.
سان فرانسسكو مدينة هي عالم بذاته.