هدى بنت فهد المعجل
يُعرف التمدن في معاجم اللغة أنه : البَدْوُ بَعْدَما اسْتَقَرُّوا في الْمَدِينَةِ : عاشُوا عيشَةَ أَهْلِ الْمُدُنِ وَتَكَيَّفُوا مَعَ جَوِّها، والتمدن الشَّعْبُ : دَخَلَ في مَرْحَلَةِ الرُّقِيِّ والحَضارَةِ والعُمْرانِ. وثقافة التمدن هو المصطلح الذي صاغه عالما الاجتماع الأمريكيان بيكر وهوروفيتز (Becker and Horowitz)، عام 1970 لدراسة ما يتعلق بالأعراف الاجتماعية السائدة في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا.
وفي شأن التمدن قال ابن خلدون «ولهذا نجد أن التمدن غاية البدوي يجري إليها، وينتهي بسعيه إلى مقترحه منها، ومتى حصل على الرياش الذي يحصل له به أحوال الترف وفوائده، عاج إلى الدعة وأمكن نفسه إلى ما بالمدينة وهذا شأن القبائل المتبدية كلهم، بينما الحضري لا يتشوق إلى أحوال البادية إلا لضرورة تدعوه إليها أو لتقصير من أحوال أهل مدينته».
لكن هل يتفق معنى التمدن ومفهومه مع معنى التحضر ومفهومه؟ قطعاً لا.
حيث تم إيضاح مفهوم التحضر Urbanization، بأنه هو ظاهرة عالمية تعني الاتجاه المتزايد لدى سكان الريف للإقامة في المدن (الحضر).
لذلك ترتبط ظاهرة التحضر بهجرة السكان من الريف إلى المدينة.
ويشير مفهوم التحضر إلى عملية من عمليات التغير الاجتماعي وهي انتقال الريفيين إلى المدن واكتسابهم تدريجياً القيم الحضرية وما يرتبط بها من أنماط السلوك الحضري إلى أن تنتهي هذه العملية إلى ما يسمى بـ التكيف الاجتماعي.
أما مجرد انتقالهم إلى المدن فهو عبارة عن تغير، ولكنه ليس تحضراً.
وهكذا فالتحضر يصف جزءاً من عملية التغير الاجتماعي.
والتغير كذلك يختلف عن مفهوم « الحضرية Urbanism» الذي يشير إلى اكتساب الناس وخاصة في الريف لأساليب الحضر دون الانتقال إلى المدن ؛ كما يحدث في عملية التحضر فالتغير يعني ذلك ويعني كذلك العكس تماماً، كما يعني اكتساب هؤلاء لأي أساليب وفي أي اتجاه سواء عصري أو غير عصري.
ويعتبر « الانتشار الثقافي « أحد وجوه اكتساب الخصائص الحضـرية، وهو من العوامل الخارجية للتغير.
فهل التمدن والتحضر أو المظهر الخارجي للإنسان والمجتمع الدال على تمدنهم وتحضرهم مقياس لتمدن السلوك وتحضره؟ لا طبعاً أو ليس دائماً طبعاً ويدل على ذلك هذه القصة التي رواها أحدهم عن طبيب في بلد ما من بلدان العالم وفي عاصمة تلك البلد دون تحديد لها..
يقول إن طبيباً يسكن بجوار راوي القصة كان كلما خرج من بيته صباحا، حمل معه كيسا من القمامة في صندوق سيارته، ثم يرميه بعيدا عن بيته في زاوية من زوايا الحي، ثم يستقل سيارته ويتجه إلى عمله، وعندما راجعه أحد جيرانه قائلاً: «إن هذا التصرف لا يليق بمستوى طبيب مثلك، من المفترض أن تحافظ على الصحة العامة، وتدافع على نظافة الحي فرد عليه الطبيب وهو يحاوره، ردا ظاهره مدنيا، وباطنه تخلفا ولا حضارية: « كنت في حي راق نظيف تهتم البلدية بتنظيفه، فجئت إلى هذا الحي الشعبي، الذي بَـنى فيه من هب ودب، فصرنا مثلهم في العفن» فقال جاره في نفسه هذه مفارقة أخرى، قد نسي الطبيب نفسه أنه من أولئك الناس الذين بنوا في هذا الحي، وصار في جملة من هب ودب، وممن زاد في تعفنه، فبدل أن يعتذر ويخجل من نفسه، ويستدرك على نفسه، فيقرر أن يساهم في نظافة الحي، ويقلع عن عادته السيئة، راح يبرر ما يقوم به ويُرجِعُ اللائمة على البلدية، التي قصرت في رفع القمامة.
الخلاصة: هل نستفيد من تمدن وتحضر شكلي في مقابل أفراد هم أبعد عنه، عن التحضر والتمدن؟!.