علي الصراف
مرة أخرى أثبتت جريمة نيس أن هناك صلة وثيقة بين أصحاب السوابق وبين الإرهاب. وما لم يكن بوسع الرقابة الأمنية أن تأخذ هذا العامل في الاعتبار، فإن شيئا لن يمكنه أن يجعل منها أكثر فاعلية.
الصعوبة التي تواجه الأجهزة الأمنية إنما تتعلق ببعض قيم أساسية تتعلق بالحقوق. يجب، من دون أدنى شك، أن يتم احترام تلك الحقوق، وألا يجري التحفظ عليها إلا بالاستناد إلى أسس قوية.
ارتكاب سوابق، وتوفر مؤشرات على التطرف، يجب أن يكون أحد هذه الأسس.
عندما يكون العديد من جرائم الإرهاب قد تم ارتكابه من قبل أشخاص سبق لهم التورط بأعمال عنف أو جرائم سرقة أو اغتصاب أو ثبتت لديهم علامات على نوع من الاضطراب النفسي أو العنف المنزلي، فإن هذا يجب أن يقدم مؤشراً كافياً على أنهم أكثر أهلية للتورط بأعمال إرهاب (منظم أو فردي، على حد سواء). ولهذا السبب فإن وضعهم تحت دائرة مراقبة مشددة سيكون أمراً له ما يبرره.
يمكن إضافة عناصر أخرى قد لا تقل أهمية: انحطاط الثقافة، تدني التعليم، الفشل الاجتماعي، أو الغرق بالديون، كلها عوامل يمكن أن تشكل عناصر إضافية لرفع مستوى التوقعات بشأن ما إذا كان هذا الشخص مؤهلا أكثر من غيره للقيام بأعمال عنف.
سأضرب مثلا: شخص يدفع أقساط ديونه بانتظام، يتعين أن يثير قلقا أمنيا أقل من شخص قرر أن يضرب التزاماته بعرض الحائط. شيء من هذا القبيل عادة ما يحدث قبل التورط بعمل أكثر خطورة. ويجب أن يطلق صفارة الإنذار.
وعادة ما تكون هناك علامات على «الانتحار الاجتماعي» تسبق الإقدام على عمل من أعمال الانتحار الفعلي.
نحن هنا إنما نتحدث عن أشخاص يفقدون السبيل إلى السواء العام. وبالتالي، فإنه سيكون من السهل عليهم أن يفقدوا البوصلة نحو السواء الديني أو الأخلاقي. وهذا أمر يبرر تماما وضعهم تحت منظار أشد قربا.
ما لم تكن الرقابة الأمنية قادرة على أن تكون رقابة مثقفة، فإنها لن تقدم الكثير. وعندما نتحدث عن دول مثل فرنسا فإن تجاهل الصلات بين الجريمة والإرهاب يشكل عيبا جوهريا في أصل الأسس التي تستند اليها تلك الرقابة. إنها، بعبارة أخرى، تعبير عن فشل ثقافي حقيقي.
لا يحق لفرنسا التي قرأت عالم النفس البشرية بعمق أكثر من غيرها أن تفشل في قراءة الصلة بين الجريمة والإرهاب. وعلى هذا الأساس، فإنه لا يحق لها ألا تستنتج من تلك الصلة ما يتعين فعله.
طبعا، وسائل الإرهاب لا حصر لها. وهذا ما يجعل رصد الأعمال المحتملة صعبا للغاية. ولكن ذلك لا يمنع أبدا من أن نتوافر على إمكانات تحصر المشتبه بهم، لا ما يمكن أن يقوموا به.
بعض المؤشرات يتعين أن يطلق صافرات إنذار مبكرة. كما أن توفر علامات على التشدد يكفي بحد ذاته للأخذ بعين الاعتبار إمكانية سحب جانب من الحقوق التي تحول دون تدخل السلطات الأمنية في الوقت المناسب.
و»التدخل في الوقت المناسب» يمكن أن يتخذ وسائل عدة، من الرعاية أو الإرشاد، إلى غيرها من الإمكانات التي تسمح بالحد من الخطر، أو حتى تحييده.
هؤلاء الأفراد مصابون بلوثة انحطاط أخلاقي، وهو ما أن يقترن بعمل يخرج عن سواء السبيل، فإنه يجب أن يطلق صافرة إنذار. ولا أدري، في تلك الساعة، كم يمكن أن يحتفظوا بحقوق.
دعوني أصرخ: إذا اجتمعت سوابق الجريمة بالتطرف والجهل والفشل، فإن ارتكاب عمل من أعمال الإرهاب لن يكون مسألة ما إذا كان يمكن، بل مسألة وقت فحسب. أما كيف، فذلك غير مهم، لأنه مما لا يمكن حصره.
الوجه المطلوب للرقابة الأمنية، هو بالأحرى منعطف في الثقافة. فبدلاً من تحرّي وسائل الجريمة، يجب تحرّي أشخاصها.
البحث عن المسدس شيء، والبحث عمن يمكنه شراء مسدس، أو حمل سكين، أو ركوب شاحنة، شيء آخر.