فوزية الجار الله
أكتب لكم وإلى جانبي قدح أحبه يتضمن مزيجاً من الليمون والزنجبيل والعسل الذهبي القادم من غابات الجنوب، رافقت هذا القدح بإصرار أوهو رافقني طلباً للدفء الذي لابد منه في هذه اللحظة كي تعود حنجرتي إلى سابق عهدها بالعافية رغم أني لا أحتاجها للغناء!
حالما ارتشفتُ بضع جرعات حتى شعرتُ بالدفء يسري في جسدي، في الوقت الذي أجلس إلى مكتبي وجهاز التكييف البارد أمامي فلا غنى لي عنه في هذا الصيف الملتهب، هذا هو التناقض الجميل الذي نحتاجه لأنه يتضمن أملاً وشفاء، وهو على العكس تماماً من تناقض آخر لطالما واجهناه في هذه الحياة من بعض أبناء البشر. بعضهم تجد فيه كافة التناقضات العجيبة، فيه ما يشدك ويبهرك وفي نفس الوقت ما يجعلك تنفر منه ولا تود معاشرته، فقد يحدث منه لحظات بذل وعطاء فتعتقد بأنك تعاشر إنساناً يقارب حاتم طيء وتكاد تكتب قصيدة عصماء في مديح كرمه، فقد تحولت إلى شاعر من فرط التأثر، ثم تجد منه موقفاً آخر بدا لك فيها شديد الشح والبخل حتى أصبح شبيهاً بعيسى الذي قال فيه الشاعر ابن الرومي هذا البيت:
يقترُ عيسى على نفسِه
وليس بباقٍ ولا خالدٍ
لو يستطيعُ لتقتيرِه
لتنفّسَ منْ منخرٍ واحدِ
في موقف ما تلمس فيه إنسانية عظيمة، وفي موقف مُغاير ترى فيه كبرياء أجوف وأنانية مقيتة تجعلك تكره اللحظة التي رافقته فيها، يبدو هذا الإنسان مشابهاً إلى حد كبير لتلك الشخصية الخيالية في فيلم الرعب القديم الذي أنتج عام 1931م (دكتور جيكل ومستر هايد) وقد تم أخذه عن رواية للأديب الإنجليزي روبرت لويس ستيفينسون، حيث يقوم البطل وهو الدكتور جيكل بعمل دواء في مختبره يحوله لكائن مختلف، يصاب بما يشبه انفصام الشخصية حيث يصبح بشخصيتين: الأولى إنسان طيب وطبيب مرموق دأب على أفعال الخير والثانية إنسان شرير يتمثل في صورة مجرم دميم يتسبب في كثرة عدد ضحاياه، في النهاية يلاقي حتفه على يد الشرطة فيموت جيكل وهايد في وقت واحد ما بين الطبيب المرموق والمجرم الدميم. حين يواجهك مثل هذا الإنسان لا تحزن ولا تتألم بل ابتسم فأنت تتعلم وتحظى بدروس عملية من هذه الحياة، بالطبع هناك ثمن لابد لك من دفعه لكن يبقى الثمن في حدود استطاعتك وسوف تبتسم أكثر حين تكتشف بأن الأمر لم يصل أثره إلى مرحلة عميقة خطيرة يصعب العودة منها.