من أهم ما يميز شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التوازن والاعتدال الذي يضبط كافة أقواله وأفعاله وتصرفاته وأخلاقه، بحيث لا يطغى جانب على حساب جانب آخر، ولا يؤدي كمال خلق إلى نقص في خلق آخر، فكما كان صلى الله عليه وسلم قدوة في عفوه وصفحه وحلمه وتسامحه، كان قدوة أيضاً في حزمه عقوبته وتأديبه. وكما كان عليه الصلاة والسلام قدوة في عبادته وذكره وتألهه وبكائه من خشية الله كان قدوة في نومه وراحته وضحكه ومزاحه ومعاشرته أزواجه. وكما كان قدوة في زهده وتقلله من الدنيا، كان قدوة في نظافته وهندامه وطيب رائحته، وأكله من أطيب الأطعمة إن وجدت.
وهذا التوازن والاعتدال هو الذي جعل بعض الناس يتقالّ عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن الغلو في العبادة مما يقرب إلى الله تعالى، فبين لهم صلى الله عليه وسلم توازنه في العبادة كما بين لهم وجوب اتباع سنته عليه الصلاة والسلام قائلاً: (أما إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ومن معالم التوازن النبوي أنه كان سهل الخلق، كريم الشمائل يميل إلى التيسير في معاملة أزواجه، وكان حسن الخلق مع أصحابه ويمازحهم ويضاحكهم.
ومن معالم التوازن النبوي أنه كان كثير النهي والتحذير من الغلو والتشدد والتنطع لما له من أثر سيء على الفرد والجماعة والأمة بأسرها، فقال: إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. ومن معالم التوازن النبوي أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم. وصدق الله القائل في كتابه الكريم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود