محمد آل الشيخ
في (تويتر) قمت بإجراء استفتائين على حسابي، هدفهما قياس ورصد وعي السعوديين والعرب عموما، بالمفاهيم السياسية والنظريات التي تقوم عليها هذه المفاهيم المعاصرة، وهل فهمهم فيها دليل على وعي وتصور تام بما ينادون به، او أن الغالبية العظمى منهم لا علاقة لهم بفهم المصطلحات السياسية ولا مؤدياتها، لأنها في الغالب مفاهيم لاعلاقة لها بثقافتهم وموروثاتهم في مفهوم الحكم والسياسة، وبالتالي، فإن مواقفهم السياسية، لا تنم عن المبادئ، ولكن لها علاقة بالأشخاص، بغض النظر عما يطرحون من مبادئ.
الاستفتاءان يسأل الأول منهما سؤالا يقول: هل تؤيد نظام أردوغان العلماني بتركيا؟.. فكانت النتيجة (نعم) بنسبة كاسحة وصلت إلى (93%)؛ (و7% )يقولون (لا).. والاستفتاء الثاني يسأل سؤالا مباشرا فحواه: هل تؤيد النظام العلماني في الدول المعاصرة؟.. فجاءت النتيجة: (65%) يقولون ( لا)، و(35%) يقولون (نعم). وقد شارك في الاستفتائين آلاف المصوتين، ومعروف أنه كلما زاد عدد المشاركين في الاستفتاءات تأتي التيجة في المحصلة أقرب إلى الدقة، والعكس صحيح.
والسؤال: إلى ماذا تشير إليه هذه النتائج؟.. أهم ما تشير إليه بوضوح إلى انعدام الوعي، وأن العرب، كل العرب، لا يهتمون بالفكرة، ولا بالمبادئ، قدر اهتمامهم بالشخص بعينه، أيا كانت الفكرة التي يحملها، والمبادئ التي يدافع عنها، والقيم السياسية التي من خلالها يمارس في الواقع سلطاته. فهم مع أردوغان لشخصه، وفي الوقت ذاته لا يخجلون أن يصرحوا على رؤوس الأشهاد أنهم ضد المبادئ والقيم العلمانية التي يحملها أردوغان.
قد يقول قائل: إن أغلب المصوتين هم من الرعاع، والعوام، ومن المعروف أن الأمم لا توجهها العوام، وإنما النخب. وهذا علميا صحيح؛ غير أن أغلب من يفترض أنهم نخب في المجتمعات العربية، والذين يسيطرون على توجيه الناس سياسيا، هم للأسف من العوام في السياسة وشؤونها، ولا يستحون أن يقحموا أنفسهم في ما يجهلون. فالداعية مثلا «ناصر العمر» يعتبر نفسه من النخب، وغالبا ما يقود أقرانه إلى مواقع صناعة القرار في المملكة، يطالب وينافح ويدعي أنه يمثل الاغلبية؛ المذكور غرد في حسابه في تويتر على فشل الانقلاب في تركيا يقول بالنص ( إلى أردوغان من أعظم الشكر على هذا النصر أن تسعوا لأسلمة أنظمة بلادكم، ونبذ القوانين العلمانية ( لئن شكرتم لأزيدنكم وإن كفرتم إن عذابي لشديد).. واضح من (النصيحة) أنه يعتقد أن بإمكان أردوغان أن يفعل ما يريد دون أية ضوابط دستورية، فإذا مسها أو حاول أن ينتقص منها بأي ممارسات استبدادية، فإن من وقف معه بالأمس سيقف ضده اليوم؛ فالعلمانية هي دائما وأبدا، (شرط ضرورة)، لا يمكن للديمقراطية أن تنجح في أي مجتمع دون الأساس العلماني؛ وبالتالي فلا يمكن ألبتة أن تطالب بالديمقراطية، التي هي أولا وقبل أي شيء، ترتكز على المساواة بين المواطنين، ثم تقف موقفا مذهبيا أو قبليا، مع أو ضد هذا أو ذاك، لأسباب وبواعث تفرق بين المواطنين لأعراقهم أو مذاهبهم أو لانتمائهم القبلي.
كل التجارب الديمقراطية في العالم العربي فشلت، ومازالت تفشل، وسوف تفشل طالما أن الطائفية أو المذهبية منتشرة بين العوام، وهي أساس منطلقاتهم عندما يقبلون هذا السياسي أو يرفضون الآخر.
لذلك كنت أقول، وما أزال أقول، إن (الوعي) هو (أولٌ) و (الديمقراطية) في المحل الثاني.
إلى اللقاء