د.عثمان بن صالح العامر
تابع الجميع تفاصيل مجريات أحداث الانقلاب العسكري الذي حدث في تركيا مساء يوم الجمعة الماضي من قبل مجموعة من العسكر ضد الحكومة المنتخبة التي يقودها رجب طيب أردوغان، وعجبت من أمرين:
* أولهما: سرعة تتابع الأحداث وتغيّر الأحوال وتبدلها، مما يعطي مؤشراً مهماً في حياة الإنسان، ألا وهو أن هذه الدنيا لا شيء، فقد تمر بك كربة تنسيك كل النعيم الذي مرّ بك، وربما تمسي بحال وتصبح على غيره، وهذا ما جال في خواطر الكثير خلال الساعات الأولى للانقلاب إزاء حال الحكومة التركية الحالية.
* ثانيهما: أن التحليل والقراءة المستقبلية وإعطاء الأحكام القطعية في أمور السياسة خاصة، صار في ظل الانفتاح المشهود أمراً مشاعاً في ذهنية البعض منا، حتى صرنا نقرأ في تويتر خاصة أحكامًا نهائية منذ اللحظة الأولى للحدث، «مع أو ضد»، لا يهم ، المهم أنه الجزم بما ستؤول إليه الأحداث التي لم يمضِ على بدايتها سوى ساعات معدودة، بل إن صحفاً عربية نشرت في صفحتها الأولى وبالبنط العريض ما يعرّيها ويكشف عورها وغياب الحس السياسي لديها.
مع أنّ قراءة الحدث السياسي خاصة في عالمنا المعاصر ليست بالأمر الهين، والتنبُّؤ بما ستؤول إليها الانقلابات المفاجئة يحتاج إلى دربة وتخصص لا وجود لهما لدى شريحة عريضة من المغردين الذي انبروا للقول الفصل، فكان منهم زرع الخوف والهلع في نفوس متابعيهم وأقاربهم الموجودين هناك.
* سرّني في المقابل: الموقف السعودي الرسمي من هذا الانقلاب، والتصرف الواعي من قبل سعادة سفير المملكة العربية السعودية في أنقرة الدكتور عادل بن سراج مرداد وسعادة القنصل السعودي في إسطنبول والفريق العامل معهما، وإنني هنا أسجل للسفارة والقنصلية في تركيا تعاملهما الرائع مع الحدث منذ بدايته وحتى لحظات كتابة هذه السطور، إذ إنّهما بادرا إلى بعث رسائل تحذيرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي للسعوديين الموجودين هناك، وأُرفقت أرقام السفارة والقنصلية، وحين كثرت الاتصالات عليهما حُددت أسماء الأشخاص المعنيين بالأمر وأرقام جوّالاتهم لطلب المساعدة، وكُرّر إرسال هذه الرسائل التحذيرية والإرشادية التي تنمّ عن وعي وإدراك عميقين للدور المنوط بسفاراتنا الخارجية.
* إن العالم اليوم يموج باضطرابات وقلاقل، ولذلك يحسن بنا ونحن ننتشر في كل أصقاع العالم إما للدراسة أو السياحة والترفيه والاستجمام أو للعلاج أو غير ذلك، يحسن بنا عوائل وعزاب أن نمد جسور التواصل مع سفاراتنا في الخارج، وأن يكون لها التوجيه الصريح - من قبل مقام وزارة الخارجية - بمساندة المحتاج والوقوف مع المضطر، وإعلام وتوعية الجاهل بالقوانين والأنظمة المطبقة في هذا البلد أو ذاك، وأن تفتح أبوابها مشرعة ووسائل التواصل معها مفتوحة طوال ساعات اليوم نهاره وليله لكل سعودي يعيش حال الغربة، في المقابل على المواطن السعودي أن يعي طبيعة المرحلة والظرف الزمني، وأن يعلم أنه قد يكون مستهدفاً بشكل مباشر فيتجنب مواطن الريبة وأماكن الشُّبَه، ولا يُسبب لنفسه ولا لأهله ووطنه أذى ومكروها ، وليحذر كل الحذر من ربط صداقات وعلاقات مع أناس لا يعرفهم من قبل ويثق بهم ثقةً مطلقة، بل لا بد أن يكون كيِّساً فطِناً .
حفظ الله الجميع، وجعلها لهم إجازة سعيدة، وإلى لقاء والسلام.