إن المنهج العلمي في وصف المواضع صعبٌ ودقيق، يحتاج إلى زمن، وأكثر من هذا أن يعاشر الباحث هذه المواضع حتى يقف على الدخائلِ، ويتبطن الأسرار، ويجتاز الأعماق.
وكان الحجاج وعابروا المسالك يقطعونها في عصور التألق المجيد، وعصور المعاناة والخوف فأصبحت معالمها ذات حضارة عظيمة، بقي بعضها بآثارها واندثر البعض الآخر، وتراث العرب الأدبي وقف على المنازل والديار ووصفها، وعبر عن الأعلام وبيان المعالم كما عني المؤلفون والباحثون والشعراء بجانب الطرق والمسالك، خصوصاً الطرق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، وما بينهما وبين نجد واليمن والشام والعراق، لما للحرمين من قداسة تجعل المسلمين يشدون إليها الرحال في الحج وأداء المناسك فعددوا المراحل، ووصفوا المنازل، والأودية والمواقع، والقبائل، كما نصبوا الأعلام، وحددوا الأمكنة، وتذكروا الموارد وألّفوا في ذلك نظماً وانطلقت فيها قرائح الشعراء.
وأنا هنا أوضح بعض المواضع والمسالك التي مر بها طريق الحج القديم والمناسك وبقيت بأسمائها حتى الآن:
وجرة.. طريق حاج البصرة
هي ركبة الشمالية قال أعرابي:
وفي الجيرةِ الغادين من بطنِ وجرة
غزالٌ أحم المقلـتينِ ربيبُ
فلا تحسبي أنّ الغريب الذي نأى
ولكـنَّ من تنأين عنه غريبُ
قال ياقوت عن نصر:
بسيان موضع فيه برك وأنهار،على أحد وعشرين ميلاً من الشبيكة بينها وبين وجرة، والشبيكة شرق ميقات ذات عرق (الضريبة).
وذكر الجاسر: أن بسيان يطلق على تل مرتفع من الأرض بقربه بركة تسمى الخرابة تقع جنوب غرب النفراوات وغربي بسيان.
وقال الهمداني: فتشرب بوجرة وهو بئر وبركة مقضضة، ثم تهبط السي وهي بلد مضلة ثم أسفل منه بسيان.
وذكر ابن خميس في المجاز بين اليمامة والحجاز: أن وجرة بعد السي فلاة واسعة ذات أشجار من السمر والسرح والطلح، والسلم منها يحرم بعض الحجاج.
قال في كتاب المناسك: ثم وجرة أخبرني عن أبي سعد عن النوفلي عن أبيه قال: وجرة بإزاء غمرة في طريق الكوفة يحرم ناس منها، إلى أن قال ومن وجرة إلى ذات عرق سبع وعشرون ميلاً قال البلادي: الخرابة بركة لزبيدة، وكانت أرض الخرابة تعرف بوجرة.
وقال الجنيدل: ركبة اسم قد توسع الناس في مسماه فتشمل ركبة كلها ووجرة وبلاد السي، ولم يعد اسم وجرة معروفاً في هذا العهد، وكذلك السي وقال غربها طريق المنقى وهو درب زبيدة.
وقال الجاسر: وجرة هي في عالية نجد وهي الطرف الشمالي من فلاة ركبة، الممتدة من شمال الطائف إلى حرة كشب ومن عشيرة والبركة والعقيق غرباً إلى حضن وكشب شرقاً.
قال النابغة:
كأنما الرحل منها فوق ذي جدد
ذب الرياد على الأشباح نظّار
مطرد أفردت عنه حلائله
من وحش وجرة أو من وحش ذي قار
وقال:
من وحشِ وجرةَ موشي أكارعه
طاوي المصيرِ كسيفِ الصيقل الفرد
قال ياقوت:
وجرة على جادة البصرة إلى مكة بإزاء غمرة التي على جادة الكوفة منها يحرم أكثر الحجاج وهي سرة نجد. ستون ميلاً لا تخلو من شجر ومرعى ومياه، والوحش فيها كثير.
قال أعرابي:
أتبكي على نجد وريا ولن ترى
بعينيك ريا ماحييت.. ولا نجدا
ولا مشرفاً ماعشت أنقاء وجرة
ولا واطئاً من تربهن ثرى جعدا
ولا واجداً ريح الخزامى تسوقها
رياح الصبا تعلو دكادك أو وهدا
ألا أيها البرق الذي بات يرتقي
ويجلو دجى الظلماء ذكرتني نجدا
وهيجتني من أذرعات وما أرى
بنجد على ذي حاجة طرباً بعدا
والسي تسمى اليوم بالحزم الحمر ومن معالمها البتيلة وشعف والرحي وضعان ووادي قطان الذي يمتد من جبال حضن إلى جهة الرحي ويقطع طريق الطائف، الخرمة.
كما ورد في كتاب معالم الخرمة الجغرافية للحضبي.
وقال ابن غنام: يمتد الحزم من ظلم إلى وادي قطان جنوباً ويعرف باسم السي.
الدخول... طريق حاج الأفلاج
ماء عذبٌ يقع شرق عرق سبيع المعروف قديماً برملة عبدالله بن أبي كلاب شمالي الهضب بين وادي الدواسر ورنية.
قال امرؤ القيس:
قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول وحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتـها من جنوبٍ وشمأل
وقال حذيفة بن أنس الهذلي:
فلو أسمع القوم الصراخ لقوربت
مصارعهم بين الدخول وعرعرا
عرعرا يسمى اليوم عراعر ببطن الهضب بينه وبين الدخول مرحلتان.
وحومل غرب الدخول وتوضح تسمى اليوم التوضحيات جنوب جبل الحمل قريب من الهضب.
والمقراة واد يسمى اليوم القمراء بجواره وحول الدخول من الجبال والمواضع:
جبل الصاقب في الجفرة وجبل حومل والمنخرة وكبد وجبل الأميلاح، ومشرف وأريطيات والحصان وحمات والشل ومحشوش وأم عنيق.
الدفينة.. طريق حاج نجد
منهل وقرية قديمة بين مركز المويه ومحافظة عفيف تسمى قديماً الدثينة، يجاورها جبل الخال.
قال الشاعر:
أهاجك بالخال الحمول الدوافع
فأنت لمهواها من الأرض نازع
رعين حبِرّاً والغرابات واكتست
من الني حتى ضاق عنها البرادع
فهل زمناً بالخال قد مر وانقضى
لنا أو زمان بالأسـاسين راجع
وبلاد الدفينة من أطيب المراعي
ذكر ابن جنيدل: أن هذه المواضع حبر والغرابة والخال قريبة من بعضها وقال: والذنائب قريبة من الخال ومن الدفينة.
قال كثيِّر:
أمن آل ليلى دمنة بالذنـائب
إلى الميث من ريعان ذات المطارب
يلوح بأطراف الأحزة رسمها
بذي سلمٍ أطلالها كالذواهب
ويقال إن بالذنائب قبر كليب وائل. عزيز العرب وأحد الثلاثة الذين قادوا معداً كلها، واجتمعت على قيادتهم وزعامتهم
وهم: عامر بن الظرب، وربيعة بن الحارث، وكليب بن ربيعة
الأول قاد معداً يوم البيداء والثاني قادها يوم السلان والثالث قادها يوم خزاز، فهزم جمع اليمن.
عقدت به بعد جدها وجعلوا له قسم الملك وتاجه، وتحيته وطاعته،وأصبح قائد معد بلا مدافع ولا منازع، فضرب به المثل في العزة.
كتنة... طريق حاج اليمن
وتسمى كتنة ناهس.. تقع على جانب وادي الخليج غرباً وهي واقعة على طريق الفيل القديم
بقربها أعيبل، والغول، والقاعة الشهباء.
قال الرادعي:
سيري إلى كتنة سيـر الجد
قصداًوليس الجور مثل القصد
أمي مع الوفد طريـق الوفد
أمي إلى ماء رواء الورد
وكتنة وادٍ يقطعه طريق بيشة - أبها فيه بئر تعرف ببئر ابن سرّار والوادي طوله 20 كيلاً وكثير التعرجات.
البرك.. طريق الساحل
بلدة واقعة جنوب القنفذة بـ125كم وتمتد إلى ذهبان ووادي راكة وعمق
قال ياقوت: برك الغماد: موقع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر.
قال الشاعر:
سقى الامطار قبر أبي زهير
إلى سقف إلى برك الغماد
وقال الراجز:
جارية من أشعر أو عك
بين غمادي نبـة وبرك
وقال ابن بليهد: برك بين بلد القنفذة وبين بلد القحمة على ساحل البحر،ورؤساء هذا الموضع يقال لهم آل عبدة من بني هلال،
في تهامة. ومما يلي هذه البلاد جبل يقال له عفف.
ومن المنازل القديمة: دبساء شمال البرك.
قال إبراهيم الهلالي: الطريق ينزل في وادي ضنكان،ثم وادي ذهبان.. ثم وادي الشجون والمعقد، وهو من الأودية المشهورة...
وكانت القوافل تنزل فيه للاستراحة... لكثرة أشجاره ووفرة مياهه.
قال أحد الرحالة:
ومرت على البرك فابركت ناقتي
وظليـت في هيق ورسام
ومرت على الوادي الذي ذهب
اسمه ونبته عرفج وثمام
الثويلة.. طريق حاج اليمن
قال الهمداني:
بلد وادعة النجدية
بقعة وحوذان والثويلة
والثويلة: تقع جنوب ظهران الجنوب وتبعد عنها 25كم وهي أرض منبسطة،تكثر فيها أشجار الطلح والسدر.
قال الراجز:
لمسجد لخالد مقاربه
ثويلة الأنجد فيها قاربه
مر على محذا النعال دائبه
ثم مضحاها غداً بثـائبه
وجاء في شرح القصيدة:
الثويلة: عقبة، ومسجد خالد: تحت الثويلة،
ومحذا النعال وثائبة: كلها لبني حيف من وادعة.
قال عمر الوادعي:
تبدأ الثويلة من جبال النزوح والعراء وعشة الخنق، والعرقة شمالاً وتمتد حتى الحماد وعاكفة جنوباً، ويحدها من الشرق.
جبال: منكب والدمن، والمذارع ومن الغرب: وادي ضبين وغمدان، ومن أهم المواضع فيها: جبال واردة وموجان، الذي يشتهر بكهفه العجيب وشعب القرح وسفح اللوذ والقريين وظلمة.
ويصب في وادي الثويلة: الرحبة وطيدة وعكينة، وماوه وشقاب والضب والسيوف والمكامل ويلتقي شقاب مع الثويلة وينحدر ليلتقي مع وادي غمدان في العرجة.
تبالة... طريق حاج اليمن
وادٍ ينحدر من سراة بلقرن، وشمران ليلتقي في وادي بيشة قرب الصبيحي.
قال لبيد ن ربيعة العامري:
الضيفُ والجارُ الجنيبُ كأنما
هبطا تبالةَ مخصباً أهْضامها
وقال مزاحم العقيلي:
فما عنبٌ جونٌ بأعلى تبالة
خضيدٌ أمالته الأكفُ القواطفُ
وقال الرداعي في أرجوزته:
ثم علـى ذات الدماغ ياله
من مهمهٍ يغتال من أفضى له
يعلو إلى سهوله جباله
وعث الحذينات يغشي حاله
تجر من ثوب الصبا أذيـاله
الجد حتى تردي تباله
وقال أمرؤ القيس:
كناعمتين من ظباءِ تبالةَ
لدى جؤذرين أو كبعضِ دمى هكر
وقال القتال الكلابي:
وما مغزل ترعى بـأرضِ تبالةَ
أراكاً وسدراً ناعماً ماينالها
وترعى بها البردين ثم مقيلُها
غياطلَ ملتـفاً عليها ظِلالُها
وتبالة هي التي يضرب بها المثل فيقال: (أهون من تبالة على الحجاج)
وفي أعلى تبالة صنم ذي الخلصة المشهور في الجاهلية لقبائل دوس وخثعم وبجيلة ومن والاهم.
النقرة.. طريق حاج الكوفة
بين أضاخ وماوان.. قال أبو المسوّر:
فصبحتُ معدن سوق النقرة
وما بأيديها تحس فترة
في روحة موصولة ببكرة
من بين حرفٍ بـازلٍ وبكرة
قال ابن بليهد:
النقرة معروفة بهذا الاسم في هبجٍ من الأرض قرب منهل الحاجر وبلد الحائط الذي يسمى في الجاهلية فدك. بجواره جبل العلم.
أما فدك فهو المعروف اليوم باسم الحائط ، واقع في حرة سوداء، يحيط بها حرار سود
وهو كثير النخل بين المدينة المنورة وحائل. يبعد عن حائل 250كم إلى الجنوب الغربي من قراها: الحويط وأبا الصبان
والبدع والحليفة، وضرغط وغيرها.
وادي كرا.. طريق حاج الجنوب
وادي كرا ينبع من جبال عيسان ويتجه شرقاً في مضائق وتعرجات بجوار العقيق ثم يتجه شمالاً عبر حرار وجبال حتى يصب في وادي تربه قرب العرقين ثم يتجه إلى الغريف والخرمة.
قال الهجري: للضباب واد يقال له كرا وهو واد رغيب في علياء دار بني هلال، يفلق الحرة.. وهو كثير النخل.
قال الرداعي:
ثم على الرفضة تأتم كرا
ثم بشريانة لا حيث القرا
قال الهمداني : كرا واد في الحرة عميق به نخل وماء.
قال عروة بن الورد:
تَحِنُّ إِلى سَلمى بِحُرِّ بِلادِها
وَأَنتَ عَلَيها بِالمَـلا كُنتَ أَقدَرا
تَحِلُّ بِوادٍ مِن كَراءٍ مَضَلَّةٍ
تُحاوِلُ سَلمى أَن أَهابَ وَأَحصَرا
وَكَيفَ تُرَجّيها وَقَد حيلَ دونَها
وَقَد جاوَرَت حَيّاــً بِتَيمَنَ مُنكَرا
تَبَغّانِيَ الأَعداءُ إِمّا إِلى دَمٍ
وَإِمّا عُراضِ الساعِـدَينِ مُصَدَّرا
يَظَلُّ الإِباءُ ساقِطاً فَوقَ مَتنِهِ
لَهُ العَدوَةُ الأولى إِذا القِرنُ أَصحَرا
كَأَنَّ خَواتَ الرَعدِ رِزءُ زَئيرِهِ
مِنَ اللاءِ يَسكُنَّ الغـريفَ بِعُثَّرا
وقال آخر:
منعناكم كرا وجَانِبـيه
كما منعَ العزيزُ وحَا اللُّهام
وكرا يمر به طريق حاج الجنوب الذي يمر بأجرب والرفغة وهي جماع شعاب تتجه صوب كرا، والكراع محاذي لوادي كرا يقطعه درب الفيل القديم شديد الوعورة يتخلله فرش من الأرض وقيعان وجبال وتمتد الحرة حتى كراع الجزعة ووادي حراضة وجبال الناصفة والعاقر شمالاً.
قديد... طريق الهجرة
قرية صغيرة تقع في وادٍ باسمها يمتد أعلاه ويتصل بوادي ستارة،إلى سلسلة جبال ذرة... فأعلى الوادي يسمى ستارة
وأسفله يسمى قديد.
ويصب في البحر بعد القضيمة وثوَل. وقديد يبعد عن مكة المكرمة 130كم.
قال الشاعر:
ألا طرقتـنا بالموقر شعفر
ومن دون مسراها قديد وعزور
وهو المنزلة الثالثة للمتجه من مكة إلى المدينة بعد وادي فاطمة وعسفان.
روى ابن عباس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: صام حتى أتى قديداً ثم أفطر حتى أتى مكة.
وسميت قديد لتقدد السيول بها، وبقديد كانت وقعة الخارجي الذي يقال له طالب الحق مع أهل المدينة قالت الشاعرة ترثيهم:
ياويلتا ويلا ليَه
أفنت قديد رجاليه
وجاء في الكتب القديمة أن قديد هو الوادي الذي وقعت فيه الريح لسليمان، وأنه هو الذي أتي فيه بصاحبة سبأ..
وادي عفال.. طريق حاج الشام
من أهم أودية شمال الحجاز، يمر به الطريق بين حقل وتبوك. ومن روافد هذا الوادي وادي صريم، والوادي الابيض، وواسط ويمر وادي عفال با لبدع ويصب في البحرالاحمر.. قال الحطيئة:
عفا الرس فالعلياء من أم مالك
فبرك فوادي واسط فمنيم
ومن الأودية وادي الشرفة وعمق.
ومن الآبار التي يمر بها الحجاج قديماً: بئر المجيفل قرب جبل المجيفل الذي يقع شرق جبال أم سنينات والوادي ينحدر من جبال الربابة.
- عبدالله الحُضْبي السبيعي