عبد الله باخشوين
زمان.. كتبت ونشرت مسرحية بعنوان ((الأقنعة)). تقوم فكرتها على تبادل الأدوار.. دون وجود بدلاء.. فنجد أنّ ((الضحية)) يصبح هو المتهم.. ورجل الشرطة يكون هو ((القاتل)) و((المحامي)) ويتناوب معهما دور ((الشاهد)) أيضاً.. وتنتهي بنوع من ((لعبة الكراسي)) التي كنا نلعبها أيام زمان في بعض حصص ((الرياضة)) لكنها معكوسة، ففي اللعبة الأصلية يفوز من يجلس على الكرسي عند سماع الصافرة. أما في المسرحية فإنّ من يجلس على ((الكرسي)) يصبح خارج اللعبة.
تنتهي المسرحية عند هذا الحد.. غير أنني أهملتها وأسقطها من حساب كتاباتي شأنها شأن كل المسرحيات التي كتبتها وأصبحت في طي النسيان.. أما ((الأقنعة)) فقد سقطت لأنني تذكرت بعد كتابتها بسنوات أنني قد كتبت قبلها بسنوات - أيضاً - مسرحية بعنوان (( البحث عن القتيل)).. وللحق فإنني أدين للدكتور فهد العرابي الحارثي الذي نشر أول مسرحية لي حين كان طالباً في جامعة الملك سعود ومشرفاً على صفحات الثقافة في جريدة ((الرياض))، وخلفه بعد أن رحل إلى باريس لإكمال الدراسة طيب الذِّكر الأستاذ عبد الله الماجد، وفى تلك الفترة توقفت عن كتابة المسرح واكتفيت بكتابة القصة.. لأنني كنت أكتب ما يسمّى ((بالمسرح الذهني)) الذي يقرأ ويشاهد في المخيلة لصعوبة نقله على خشبة المسرح.. وغني عن القول إنني كتبته بتأثير من قراءتي لمسرحيات صموائيل بيكت.. ويوجين يونسكو.. واربال وغيرهم من كتّاب ما سمي بـ ((المسرح الطليعي)).
أما ((الأقنعة)) فكتبت ونشرت بعد تلك المرحلة بأكثر من عشر سنوات.
تذكرت هذه المسرحية وأنا أتأمل تبادل الأدوار التي يقوم بها شخص واحد متلوناً لنفسه.. أو ليلعب أدواراً أخرى نيابة عن آخرين.. فقد وصلنا إلى مرحلة أصبحنا فيها نجد من يتلون بحماس شديد ويدافع عن كل لون من الألوان التي ((يدفع)) بها نفسه بحماس منقطع النظير.. غير أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة وجدنا فيها الكثير من الابتكارات الحديثة التي تساعدنا وتمكننا من القدرة على فرز تلونات المتلون.. وتجعلنا نكشف الأدوار التي يقوم بها لنفسه مخدوعاً بمواهبه المريضة التي يظن أنها كفيلة بقدرة تجعله يستمر في التلون إلى ما شاء الله دون أن يكتشف أدواره أحد.
وتمكننا من تقنيات سهلة الاستخدام تساعدنا على كشف من يتلون لحساب آخرين، ويلعب نيابة عنهم أدواراً كفيلة بطمس وتغطية أدوارهم و((كله بحسابه)).. أو على طريقة عادل إمام في فيلم ((عنتر شايل سيفه)) عندما يضطر للسخرية من خداعة لنفسه ويردد :
- الساعة بخمسة جنية والحسّابة بتحسب..!؟
ففي عملية التوشح بـ((الأقنعة)) انتهت الحقبة التي يظن فيها ((الأجير)) أنه يستطيع أن يرى من الأقنعة ما يشاء، شرط أن يكون قادراً على تلوين صوته وهو يقول الكلام الذي يناسب القناع.. لأنّ الأمور لم تعد تتم هكذا.. ولم يعد المرء قادراً على لعب أكثر من الدور الذي يظن أنه دوره، ولم يعد قادراً على تلبُّس دور ((المؤمن)) و((الكافر)) و((المصلح)).. لأنّ الناس أصبحت قادرة على التمييز وأصبحت المهمة صعبة حقاً.. هي البحث والبحث والبحث.. لإيجاد مثلٍ أعلى يمكن الاقتداء به في مسيرة حياة كثيرة التشعب والتقلبات.