محمد بن فهد العمران
أخيراً بعد سنوات طويلة و محاولات رسمية متعددة من جانب حكومة المملكة للكشف عن الأوراق السرية المجتزأة (و البالغة نحو 28 صفحة) من التقرير الرسمي لأحداث 11 سبتمبر من عام 2011م و التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء، تم الكشف مؤخراً عن محتوى هذه الأوراق السرية والتي أظهرت عدم مسؤولية حكومة المملكة و مسؤوليها وعدم وجود أي دور مباشر لهم لدعم هذا العمل الإرهابي المقزز مما يعني حصول حكومة المملكة و مسؤوليها على «صك براءة» يمثل و بلا شك انتصار كبير و مهم لمصداقيتنا في محاربة الإرهاب داخل و خارج المملكة.
ولكن ماذا يعني ذلك اقتصادياً؟
هذا يعني أنه لا قدر الله في حال تمت إدانة حكومة المملكة أو مسؤوليها بالمسؤولية المباشرة أو في حال إثبات أي دور داعم منهم لتلك الأحداث الإرهابية، فإن هناك احتمالات كبيرة بأن تقوم الحكومة الأمريكية لأي سبب من الأسباب (كما فعلت سابقاً مع عدد من دول العالم المدانة بالإرهاب أو العقوبات الدولية) بالحجز على أرصدة حكومة المملكة المباشرة أو غير المباشرة في المؤسسات المالية الأمريكية و التي تشمل إستثمارات متعددة تشكل غالبية رصيد الموجودات الأجنبية للمملكة و التي تبلغ حالياً قيمتها الإجمالية نحو 600 مليار دولار، و هذا يوضح حجم المخاطر الكبيرة جداً التي كانت تحيط باستثماراتنا الخارجية و نحمد الله عز و جل على السلامة من كل شر!!
و تأتي أهمية إصدار «صك البراءة» في هذا الوقت تحديداً كونه صدر قبل إجراء الانتخابات الأمريكية و التي من المتوقع أن تظهر نتائجها النهائية بعد أقل من خمسة شهور من الآن، حيث إننا إذا لم نحصل على صك البراءة و إذا فاز السيد «ترامب» في الانتخابات المرتقبة فإن الأمور قد تتعقد أكثر و كان سيشكل ذلك ضغطاً نفسياً كبيراً علينا لسنوات طويلة لأن الجدول الانتخابي للسيد «ترامب» مع الأسف الشديد يتضمن برامج قد تؤدي إلى علاقات سياسية متوترة مع دول العالم الإسلامي (كما أعلن عن ذلك صراحة) و قد يشمل ذلك العلاقات السياسية مع المملكة برغم العلاقات التاريخية المميزة التي كانت تربط المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية لعقود من الزمن.
بغض النظر عن أسباب عدم الكشف عن هذه الأوراق السرية المجتزأة ضمن التقرير الأساسي و تأخير الكشف عنها، إلا أن ما حدث يجب أن يعلمنا دروساً مهمة حول ضرورة إعادة توزيع استثماراتنا الخارجية بعيداً عن المجاملات السياسية و عن التركيز ذي المخاطر العالية و ذلك لحماية مصالحنا القومية بالدرجة الأولى، و حول ضرورة تبني المؤسسات الحكومية لقواعد سلوك عامة تطبق على جميع المسؤولين تحدد الإطار العام لسلوكهم في تعاملاتهم اليومية مع الأشخاص لحماية الجهاز الحكومي و مسؤوليه، تماماً كما تفعل المصارف السعودية اليوم مع عملائها لحماية مصالحها و مصالح مسؤوليها بعيداً عن أي مخاطر محتملة.