صيغة الشمري
تذهلني نوعية ثقافة المجتمع الخليجي كل يوم يمر أكثر من سابقه، كل يوم تصدمني ظواهر لا أجد لها تفسيراً وبالذات تلك اللي تغلب مصالح دولٍ أخرى على حساب مصالحنا كدولة خليجية واحدة مربوطة مع بعضها بوحدة المصير، حتى أن بعضهم من شدة تبعيته يسبغ التبرير تلو التبرير للدولة التي يتبعها ويمتدح قوتها ونموها وهو كخليجي محسود من شعب تلك الدولة حسداً لا بعده حسد، رغم كل ما شاهدناه من تحمس شعوب الدول لثقافتها وانتمائها الاجتماعي أو السياسي إلا أننا كشعوب نبدِّد انتماءنا وعشقنا وإعجابنا على دولٍ ليست دولنا، مع أننا اليوم في أمسِّ الحاجة لتغليب مصلحة خليجنا وأوطاننا على أي مصلحة أخرى، لأول مرة منذ فجر التاريخ تثبت الأحداث المتلاطمة يميننا ويسارنا أنه ليس أماننا خيار سوى أن نلتفَّ حول بعضنا كخليجيين ونجمع رماحنا لتكون رمحاً واحداً ونؤجِّل كلَّ خلافاتنا حتى يهدأ البحر وترسو سفينتنا على الساحل بسلام بإذن الله، إن أقسى ما يحزُّ في النفس أن تجد أغلب الخليجيين - وبالذات بعض النخب منهم - مأخوذين ومبهورين ومسلوبين بمشاريع سياسية لدول أخرى شرق أوسطية مجاورة أو شبه مجاورة مع أن تلك الدول ومشاريعها تنطلق من أطماع توسعية لا ترى الخليجي سوى عربي بدوي حديث نعمة لا يستحقها، ولو حدث لا سمح الله ما يتمناه هؤلاء لندموا أشدَّ الندم لما سيرونه من قلب ظهور المجن والإقصاء والتهميش لأن مهمتهم الأساسية هي استخدامهم مثل السلّم أو الجسر وبعد العبور لأوطانهم سيرمونهم وسيجازونهم جزاء (سنمار) لأنه لا ثقة برجل خان أهله وأرضه ووطنه ودينه لدولة أجنبية مهما كان إعجابه بها، ليس لك عزيزي الخليجي سوى أهلك ووطنك وحكامك وإن ابتغيت غيرهم ستجد المصير نفسه من الفوضى والعبث والقتل المجاني والتشريد الذي تعانيه بعض الشعوب الشقيقة أزال الله غمَّتها ونَصَرَها على من تسبب بنزع أمانها وشردها تشريداًَ لم يحدث في تاريخ شعوب الأمم السابقة، علينا أن نفيق ونوقف هدر طاقتنا وعقولنا في إرهاقها بالدعم والانتماء لمشاريع دول أخرى ونفكر قليلاً ونقيسها بالعقل الذي لا نملك غيره في تقييم تصرفاتنا وضبط سلوكنا، لو فكرنا قليلاً لوجدنا أن شعوب تلك الدول التي تعجبنا بمشروعها ينظرون لنا نظرة تعالٍ، ولا يرون عرقنا العربي شيئا أمام عرقهم الذي يرونه أكثر نبلاً وتحضراً، علينا أن نأخذ العبرة من إخواننا العرب الذين كانوا يراهنون على قوة ومنعة دول التيار الشيوي وقدموا مصالح الدول الشيوعية على مصالح بلادهم وشعوب بلادهم وبالأخير أدارت لهم الدول الشيوعية ظهرها ولم يبق لهم سوى بلادهم وشعب بلادهم إذ لا يمكن أن تحصل على ثقة أحد وأنت بائع لبلدك وأهلك مهما اختلفت معهم، كل قصص وسير التاريخ وأحداثه تثبت هذا الكلام، ليس أغبى من إنسان تستخدمه الدول الأخرى مطية وسلَّماً للعبور فوق كرامته لتدمير بلاده، وتكاتفنا حول حكامنا في الخليج يحتمها الدين والعروبة والعقل، العقلاء وحدهم هم من ينبذون خلافاتهم جانبا ويقفون صفاً واحداً أمام أي أجنبي بغض النظر عن صفته، لأن من هو ليس عربي لا يراك شيئاً أمام تاريخ حضارته ومن هذه الملاحظة تستطيع أن تقيس مستقبل ما سيحدث عندما تؤول أمور خليجنا لهم - لا سمح الله - لا يجب أن نكذب على أنفسنا فنحن كخليجيين مستهدفون من البعيد والقريب وعلينا ألاَّ نساعد الغريب ضد أهلنا حتى لا نندم:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام