لبنى الخميس
بعد تعيين تريسا ماي كثاني امرأة ترأس حكومة المملكة المتحدة في تاريخ البلاد، بعد ماغريت تاتشر الملقبة بـ»المرأة الحديدية»، عاد إلى الأذهان التساؤل الآتي.. لماذا قلة من النساء يتقلدن كراسي القيادة؟ ولماذا لا تتجاوز نسبة النساء عالمياً في البرلمان الربع؟ ولم 7% فقط من النساء يفاوضن على رواتبهن؟ بينما 57% من الرجال يفعلن ذلك وبكل ثقة؟
لن أتحدث عن وضع النساء بشكل عام.. لأنّ العالم أوسع بكثير من قدرتي على اختزاله وتحليله، بل سأتحدث عن حال المرأة في مجتمعنا عبر طرح عدة نقاط ذات بعد نفسي اجتماعي. بداية، دعونا نعترف بأننا وُلدنا في مجتمع مبرمج على أن لا ينتظر الكثير من المرأة مقابل ما يتوقعه وينتظره من الرجل، مؤمناً بأنّ نجاح المرأة خيار شخصي وليس ضرورة اجتماعية، وإضافة تشكر عليها وليس حاجة ماسة كما هو الحال مع الرجل. فمثلاً تولد فتاة شديدة الذكاء وبالغة النبوغ في منطقة الجوف شمال المملكة، فيحتفي بها والدها وتتباهى والدتها بمعدلها الدراسي أمام الأهل والصديقات والجيران، وحين تتخرج من المدرسة في يوم نجاح وفخر مشهود وتقرر أن تتخصص في دراسة الطب في جامعة الجوف، فجأة يتوقف الأهل عن الدعم، ويحل الخوف محل الفخر، ويتحول نجاحها من امتداد جميل لرحلة دعم واعتزاز إلى رحلة ذات عناوين جديدة أبرزها الصراع لإثبات الذات، لا لنقص في ذكائها أو تشكيك في قدراتها وإمكانياتها، بل لأنّ طموحها يخيفهم، كونه قد يسحبها تدريجياً من الصورة النمطية المثالية، ويخرجها من صندوق الطاعة الاجتماعي، زوجة.. أم.. وربة منزل. لذا ليس غريباً أن تتجه نصف مليون امرأة سعودية إلى السلك التعليمي للانخراط في وظائف مثل معلمة وإدارية في المدارس الخاصة أو العامة.
ما هو الحل؟ اليوم حديثي ليس للنساء اللاتي اخترن البقاء في منازلهن بكامل إرادتهن ونحترم خيارهن. بل للنساء اللاتي يملكن الشغف والموهبة والطموح للبقاء في ميدان العمل، وسألخص ذلك بثلاث وصايا فقط لا غير:
1 - اهدمي حتى تبني
منذ أن وُلدت تطوّع الكثيرون لبرمجتك في.. البيت.. المدرسة.. الإعلام.. وبعض شيوخ الدين بأنك ناقصة عقل ودين، وأنك بدون رجل عاجزة عن العطاء والإنجاز والحياة. اهدمي كل أسوار البرمجات الاجتماعية البائسة التي لقّنتك منذ الطفولة بأنّ اختلافك عن قريناتك مخيف وخطر، وأنّ طموحك المهني سينتزع أنوثتك تدريجياً، وسيرديك وحيدة وتعيسة.
2 - انسبي نجاحك لنفسك!
حينما يُسأل الرجل عن سر نجاحه وتفوقه، سيؤكد (غالباً) بأنّ مهاراته وخبراته وشهاداته وقراراته المذهلة تقف خلف تفوقه المهني، بينما ستنسب المرأة نجاحها لعوامل خارجية وليست داخلية مثل الأهل.. الزوج.. أستاذة الجامعة.. الصدفة والحظ! متناسية الكفاح الشخصي من سهر وجهد وتصدٍّ لضغوطات اجتماعية متسلسلة لتثبت نفسها، كوني واثقة بذاتك، معتزة بتجربتك، حتى يثق بك الناس.
3 - اجلسي على طاولة النجاح
هذه الوصية ذكرتها شيريل سانبرغ المديرة التنفيذية في فيس بوك في خطابها في أحد مؤتمرات تيد وحصد أكثر من 6 ملايين مشاهدة، شاركت فيه مشاهداتها وملاحظاتها الدقيقة لسلوك النساء في غرف الاجتماعات حينما يفضلن الجلوس في الطاولة، ويتحاشين رفع أيديهن للمشاركة وإبداء الرأي في ظل الأكثرية الذكورية. بينما يفترض أن ترفع يدها وتجلس في صدر الطاولة إن استحقت ذلك، وتزيد من شعورها بالاستحقاق لما حققته ووصلت إليه.
أخيراً.. كفاح المرأة لإثبات نفسها، وتجديد طموحها، في ظل نظام اجتماعي يسعى لتقليص تواجدها في الحياة العامة مهمة ليست سهلة لكنها غير مستحيلة. فمن المهم أن تبدي المرأة حزماً تجاه من يحاول تجميل صورة لا ترى نفسها فيها، وتثبت بأنها أجمل بالطموح والرؤية والإطار الذي رسمته لنفسها. الحياة قد تبدو غير عادلة أحياناً لكنها ليست ظالمة مع من يحاول ويصر على حلمه. لكل من تتمنى أن تكون محامية.. صحفية.. عالمة.. طبيبة أو حتى وزيرة.. المجتمع حتى وإن لم يدرك ذلك بحاجة لكن.. حتى نصنع معادلة إنسانية أكثر توازناً بين الرجل والمرأة.. الحلم والواقع.. العطاء والحصاد.