ضمن برنامج التحول الوطني 2020 رصدت وزارة الثقافة والإعلام عدة أهداف استراتيجية للرقي بالثقافة والإعلام والنهوض بها في زمن خلط الأوراق في المشهد الدولي، فكان الهدف الاستراتيجي الثالث تعزيز صورة المملكة داخليًا وخارجيًا، والمؤشرات التي ترصد مدى تحقق هذا الهدف هي: نسبة التحسن في الصورة الذهنية عن المملكة ونسبة الوعي حول دور المملكة في خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن ونسبة نمو المحتوى الإعلامي الإيجابي حول المملكة.
ومما لا شك فيه بأن خيوط اللعبة بدأت تتكشف لأسلوب الابتزاز للإعلام الغربي للسعودية من خلال الإسقاط المتعمد ومحاولة التدليس وتلبيس السعودية تهمة تصدير الإرهاب والعنف والكراهية للآخر وشيطنة العالم الإسلامي الذي تمثل السعودية عمقه الاستراتيجي، لا شيء مخفيًا في وقتنا الحالي عصر الثورة المعلوماتية وتكشف الأقنعة، ولكل أهدافه الخاصة في ذلك الأسلوب الإعلامي الرخيص.
كما لا ننكر ضعف إعلامنا الخارجي والتسويق الملائم لمملكة الإنسانية وجهودها العظيمة في كافة المجالات الدولية: (حروب، كوارث، مجاعات، إعمار، مكافحة الإرهاب، حوار الأديان............ الخ) سياسات إعلامية خاطئة كنّا نمارسها معتقدين بأنه من البر والإحسان والمروءة بألا نتحدث بما نعطي ونمنح ولم يكن من ضمن الاهتمام بأن ترافق برامج الدعم والإغاثة كاميرات خاصة لتغطية تلك المشاهد الإنسانية الرائعة وإبرازها في أغلب المحطات المحلية والدولية.
وإذ نعيش الآن معترك الصراعات الإقليمية وابتزاز الإعلام الغربي وبعض المنظمات الدولية وقد كتبنا رؤيتنا الوطنية 2030 للنهوض بمملكة الإنسانية في كافة المجالات فنحن في أمس الحاجة لبناء صورة ذهنية مميزة للمملكة معتمدين على المقومات والمكتسبات التي نتمتع بها، فعلى سبيل المثال: السعودية هي العمق العربي والإسلامي والموروث العربي ونشأة الإسلام كانت على هذه الأرض الطاهرة ولدينا عديد من القيم الإنسانية والمبادئ العربية والإسلامية التي ننافس بها بقية الحضارات والثقافات الأخرى وهي تعكس مدى تحضرنا وتعايشنا وتقبلنا واحتضاننا لجميع الثقافات والمكونات البشرية ولا سيما الحرمين الشريفين مقصد الحجاج والمعتمرين والزائرين بين جنباتنا، وهذه الأرض المباركة هي مهد لكثير من الحضارات السابقة وهناك موروث ثقافي كبير وكنوز معرفية جغرافية تاريخية لم نتعرف عليها بعد. فالصورة الذهنية للمملكة لا بد أن تحتوي على الأهمية لهذا المكان وقيم لذلك الإِنسان.
وقد شّرف الله السعودية بخدمة ضيوف الرحمن بالحرمين الشريفين وكما أنها تفوقت بشكل أذهل أغلب الخبراء في علم إدارة الحشود وفي علم الخدمات اللوجستية، فإدارة الحشود علم يدرس في أغلب الجامعات وله مؤشرات قياس للنجاح، ونحن نعلم جيدًا حجم التحدي السنوي على المملكة لإدارة حشود ضيوف الرحمن في الحج والعمرة والزيارة حيث يتوافد مختلف الجنسيات والثقافات بأعداد مليونية لمساحات ضيقة وفي أوقات محددة.. إلا أنه وبكل صراحة نحن مقصرون في إبراز ذلك التَّميز والإبداع في تلك الخدمة المقدسة، ونحن مقصرون أكثر في إظهار الجهود العمرانية الجبّارة التي توالت على الحرمين الشريفين من توسعات متلاحقة أثرت إيجابًا على زيادة السعة الاستيعابية لضيوف الرحمن وعلى إبراز التَّميز في الخدمات اللوجستية لنظافة الحرمين الشريفين على مدار الساعة وسط هذا التكتل البشري الكبير.. ويعرف التَّميز في الخدمة أو في الإنشاءات بالمقارنة مع المنافسين، ولو تم عمل مقارنة للمزارات الدولية التي يزورها سياح العالم ووضعنا محددات المقارنة: (الطاقة الاستيعابية، وقت الزيارة، المساحة، خصائص الزائرين «لغة، ثقافات متنوعة وعادات مختلفة.....»، عدد العاملين في التنظيم، مركز الضبط والتحكم....... الخ) لتفاجأنا بحجم الإنجاز اليومي الذي تقوم به السعودية في تلك الخدمة الجليلة. ومما لا شك فيه بأن إبراز تلك الجهود الكبيرة بتقارير وثائقية محترفة وإعلانها وإشاعتها في جميع الوسائل الإعلامية وبمختلف اللغات سيزيد من القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية العمق الإسلامي.
تتناقل من الحين للآخر وسائل الإعلام الغربية بعض المظاهر السلبية للمجتمع السعودي الذي يعرضه بعض الهواة من الشباب الطائشين كظاهرة التفحيط والدرباوية أو إطلاق النيران في الأعراس والاحتفالات، وعندما نشاهد جُل أفلام هوليوود وبغض النظر عن محتواها أو قصة الفيلم إلا أنها تتفق على تكريس صور إيجابية للمواطن الأمريكي «وخصوصًا الجندي الأمريكي» وكذلك للمنتجات والخدمات الأمريكية فهي تصنع بذلك صورة ذهنية عالمية ورسالة مفادها بأننا الأفضل والأقوى، فالإعلام ليس ببعيد عن الهدف السياسي والغايات الوطنية السامية، وذلك يتطلب من الكثير من الجهود في نشر محتوى حقيقي بإبراز القيم الإيجابية للمجتمع السعودي والعادات والتقاليد والتكاتف الاجتماعي (والذي له دوره الفاعل في تخفيض معدلات الجريمة حسب المعدل العالمي) وقيم التسامح والتعايش والبيئة المهنية الجاذبة وغيرها مما يتمتع به الإنسان السعودي والمجتمع ككل كثقافة إنسانية لا بد من تصديرها وكسمة عامة عن السعوديين.
- د. حسان الحقباني