التسوق بحد ذاته متعة وهواية للكثير من البشر، وكثيرا ما أحاول تفسير ظاهرة الاستمتاع به على أي حال، وهي ليست موضوعي الآن ولكنها ذات صلة مباشرة به، والتسوق في متجر الكتب أو معرض الكتاب بين أكوام وأرتال من الكتب والمنشورات والمجلات والموسوعات يتسم بنفس الأبعاد النفسية للتسوق أيضا، سألني أحدهم عن رغبتي في زيارة معرض الكتاب الذي أقيم مؤخرا في الرياض وأخبرته أنني أرى وجهة نظر تختلف عما يراه كثير من الناس عند التوجه للمعرض، وقد يوافقني الرأي كثير ممن يتسمون بنمط شخصية سريعة التشتت، وأنا منهم أولئك الذين اذا تنوعت الخيارات أمامهم فقدوا الرغبة في اختيار أحدها، وهذا ما جعلني أتعرض في بداية المقال للتسوق وظاهرة الاستمتاع به إذ إنني ممن يشعرون بسعادة غامرة عند مغادرة الأسواق وانتهاء معاناة التشتت والحيرة التي تنتهي غالبا بالتسلل من بين الزبائن والرحيل بسرعة.
وكذا الأمر ينطبق على شراء الكتب أو انتقائها، وهي في تنوعها مثل السلع ألوانا وأحجاما وخامات مختلفة، فحين تجول في معرض أو متجر كتب تقتنصك العناوين الرنانة، وتجذبك التجليدات الفاخرة، وتقوم دور النشر بنصب فخاخها الترويجية لاصطياد حمقى التسوق الذين يستمتعون بالتجمهر على أي صعيد وتتبع الموضة والحدث.
القراءة ليست إلا وسيلة اطلاع ومعرفة مثلها مثل مشاهدة الأفلام الوثائقية أو الاستماع لمحاضرة أو مشاهدة التلفاز، وهذه الوسيلة لها نمطها وطريقتها وطقوسها للانتفاع بها، والراغب في ممارستها يجب أن يتحلى بالرغبة وأن يقوم بتهيئة إمكاناته لها.
قبل القراءة عليك أن تقوم بتقدير ثلاثة أمور (الاهتمامات، المستوى، الوقت) كالتالي:
أولا: يجب عليك أن تعرف ما هي اهتماماتك والمواضيع التي تناديك نفسك لمعرفتها والاستمتاع بها، فأنت لن تقرأ أي شيء عن أي شيء وحتما ستقدم على انتقاء كتب تناسب اهتماماتك وشغفك، ولذلك يجب أن تفكر بهدوء في أي المواضيع تجد نفسك أنسها ومتعتها، فهناك من يحب التاريخ العربي والاسلامي ويتتبع قصصه وأحداثه، وهناك من يحب الأدب وهناك من تتوق نفسه للاطلاع على السياسة وأحداثها وهناك من تعجبه الروحانيات وبعضهم يهتم بالعلوم الإدارية والمالية والأعمال وهناك من يهوى علم النفس وسبر أغوار الشخصية والتأمل في السلوكيات وتطويرها، ويجب على من يرغب أن تكون القراءة طريقته للمعرفة والاطلاع أن يحدد أي المجالات سينتقي كتبه في مضمارها.
ثانيا: بعد تحديد مجال اهتمامك يجب أن تعترف بمستواك المعرفي في هذا المجال، فإن كان ضعيفا فابدأ بصنع قاعدتك المعرفية في هذا المجال فليس من الحكمة أن تشتري كتاباً عن التشفير الرقمي وأنت لا تعلم شيئا عن التكنولوجيا، وليس من الحكمة أن تقرأ كتابا عن الإعجاز البلاغي في القرآن وأنت لم تعرف البلاغة وصورها، إن تحديد مستواك المعرفي سيسمح لك عند انتقاء الكتب أن تحصل على غايتك وأن تستمتع بقراءتها وأن تنمي المعارف والثقافة بداخلك.
ثالثا: يجب عليك أن تخصص وقتاً محددا لممارسة هوايتك في الاطلاع باستخدام القراءة، إن تخصيص ورد يومي أو أسبوعي للقراءة سيجعلك تنضبط في ممارستها، ويخلق لك فرصة التقدم في انجازكتبك التي اقتنيتها، وكثير ممن يشترون الكتب تمر بهم الأيام والشهور لم يقرؤوها.
وأنصح دائما قبل التوجه لشراء الكتب بالبحث في الإنترنت عن الكتب المميزة في المجال الذي ترغب الاطلاع عليه، وكتابة قائمة بها لشرائها، كما أنصح بعدم الانجرار خلف العناوين الرنانة قبل تقليب الكتاب والاطلاع على بعض صفحاته أو فهرسه مثل الكتب التي تعنون بـ(أسرع طريقة للثراء) و(عشر قواعد للنجاح) و(القراءة السريعة) وغيرها من العناوين التي تجذب اهتمام المتعجلين وضعاف الهمة، كما أنصح أن يحتوي جهازك المحمول دائما على كتاب بصيغة pdf او أي صيغة لكتاب الكتروني كلما وجدت نفسك متفرغا اقتنصت صفحاته ونهلت من كلماته، انه يشبه الوجبة السريعة الجاهزة في حقيبتك، عندما تجربها حتما ستجد أنك تتنازل بسرعة عن إدمان تصفح مواقع التواصل الاجتماعي في أوقات فراغك لتستبدل ذلك بوجبتك السريعة الشهية من كتاب تحمله دائما معك.
ولا أنسى أخيرا أن أذكر أن القراءة وسيلة وليست مهنة أو غاية، وهي عند ممارستها تحتاج أن تؤتى حقها من الاستيعاب والتأمل، لا تجعل هدفك هو الوصول للصفحة الأخيرة فقط، وليس مطلوبا منك حفظ كل ما تقرأ فإنك عندما تمر بالمعلومة الجميلة والأسلوب الجميل يبقى في عقلك وفي نفسك من جمالها ما يؤثر فيك ويخلق لك أفكارا أجمل وأساليب أرقى، انك مثل الذي يمر في البستان على وردة ساحرة الجمال فإن نظر إليها وتأملها بقي في نفسه من بهجة جمالها الشيء الكثير وإن حاول أن يقتطفها ستعيش بين يديه يوما ثم يجدها ذابلة ميتة في اليوم التالي، وهكذا الكتب اقرأ وتأمل واستمتع بجمال ما فيها لتكتسب نفسك منها ثقافة رصينة وأدباً ساحراً وعلماً جميلاً، وانتقل من وردة إلى أخرى ومن بستان إلى آخر.