قبل شهرين ونصف حذرت في مقالة لي عن إيران من أن دواعي الأزمة السورية ستضطرنا إلى الذهاب هناك عبر التدخل العسكري البري لإنهاء الأزمة. وخلال أقل من أسبوع واحد أعلنت القيادة الرشيدة عزمها على هذا التدخل بسوريا بهدف تغيير موازين القوى على الأرض لصالح الشعب السوري المضطهد، حينها خالجني الشعور بالرهبة من الدفع بقواتنا إلى هناك وأرسلت لصديق لي يعمل محللا سياسيا كبيرا أثق برأيه حينما تصل الأمور إلى مستوى الجدية التامة، وقلت له إن قلقي يبدو في محله، وأنني أخشى تلك الخطوة، فرد علي بكلمتين لا ثالث لهما! فكتبَ: القيادة أبخص!
وبالفعل، فقد كان كل القلق من ذهابنا إلى سوريا لا يساوي الأرباح التي جنتها الثورة السورية من بعد إعلان المملكة تدخلها المباشر، فقد غيرت روسيا وأمريكا ومعهما إسرائيل من التعامل مع الملف السوري مباشرة، وأصبح إنهاء الأزمة السورية اليوم لمحاولة الحد من عزم المملكة على التدخل هو الهاجس الأول لتلك الدول التي كانت تتلاعب بسوريا وأهلها.
إن كلمة «القيادة أبخص» جعلتني ككاتب ومحب لوطني أن أدرك اليوم وغدا بأن لدينا كافة مقومات القيادة الفذة التي تدرك النتائج الدقيقة لكل ما تقوم به، فهي الدولة الأكثر قوة وفاعلية في الشرق الأوسط حسب رأي الكثير من الشارع السياسي الغربي وحسب إدراك العاقل المتتبع للأمور.
لقد أتممنا الملف المصري بإنجاز تام عبر وصول علاقاتنا الثنائية إلى مستوى التحالف خلال زيارة سيدي خادم الحرمين الشريفين أيده الله. كما ودخلنا حرب اليمن لإبطال مفعول السحر الإيراني مع إعادة الشرعية وقد فعلنا وسنسمع قريبا البشائر. وأنشأنا بقيادتنا تحالفا إسلاميا عسكريا مجموع قواته وأعداده البشرية تجعله من أقوى جيوش التاريخ. كما ونفذنا بنجاح باهر مناورات رعد الشمال أكبر مناورة في وقتها بالعالم وفي تاريخ الشرق الأوسط الحديث. وأنشأنا مجلس تنسيق سعودي تركي هو القادر بعد الله أن يكون الكماشة المناسبة والحادّة للمشروع الإيراني ومشروع تقسيم المنطقة الذي يحاك سرا. إذن: فقد كانت القيادة أبخص بهذه الأمور المعقدة التي يصعب حلها على أكبر السياسيين، بل على دول بأسرها.
كل هذه الأمور المذهلة التي تدير قيادتنا الرشيدة دفتها في الخارج بامتياز، وهي الأصعب من ناحية توقيتها وبيئتها وظروفها، لهي بالتأكيد ستكون أبخص بكل سهولة في أمور شعبها وشؤونها الداخلية.
ومن جهة أخرى، فإنه يجدر بنا ألا نقف أسرى لبعض المقالات التي انتشرت مؤخرا عبر مواقع التواصل وهي تدس السم في العسل عبر استخدام الدين بوابة لشق الصف ووحدة الكلمة. ولنعلم أن قيادتنا الرشيدة وهي قائدة العالم الإسلامي اليوم تنطلق من كتاب الله وسنة رسوله ولن تحيد عن ذلك، وما تلك المقالات التي اقتنص أصحابها الفرصة لمهاجمة وحدتنا المتمثلة في قيادتنا عبر حجة تفصيل ما سيحل بنا بعد القرار -في خطوة سطحية لا تعبر عن إدراك أو حكمة أو فهم- إلا محاولة ستظل فاشلة للنيل من ثقتنا بولاة أمرنا، وسنكررها اليوم وغدا فيما يتعلق بشؤون وطننا «القيادة أبخص!».