يوسف المحيميد
في عقود الستينات والسبعينات كان العالم بالنسبة لنا واضحًا ومفهومًا، عدونا إسرائيل، وأي حرب إقليمية قد تحدث ستكون بيننا نحن العرب، أو تحديدًا دول المواجهة، وبين العدو، وعلى المستوى العالمي نعرف أن ثمة حرباً باردة بين قطبي العالم، وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي سابقًا، أما الآن فكل شيء غير واضح، غير مفهوم، العالم يقتل نفسه بنفسه، العالم يتلذذ بالقتل بشكل مفرط، من غير سبب محدد، العالم مثل كائن مريض يسير بثبات نحو الانتحار العلني!
هل هذا الكوكب المجنون أصيب بلوثة؟ هل هو فعلاً يهلوس؟ هل قتل أكثر من ثمانين فرنسياً يحتفلون باليوم الوطني الفرنسي بمدينة نيس، بواسطة شاحنة تسير بسرعة عالية، قتلتهم كحشرات مذعورة على مسافة كيلومترين، هو شكل من أشكال هلوسة هذا العالم الأحمق؟ هل سائق الشاحنة الفرنسي من أصل تونسي، الذي ثبت أنه يتناول المخدرات بكميات كبيرة هو أحد إفرازات العالم الجديد؟ عالم الألفية الثالثة؟ عالم العصر الرقمي؟
كنا نكيل الشتائم للإرهاب، وليس في أذهاننا سوى التطرف والتشدد والتكفير والقاعدة وداعش وغيرها من منظمات القتل والتدمير، لكن الإرهاب وقتل الأبرياء لم يرتبط بهؤلاء فحسب، وإنما هو يتمدد في العالم كالسرطان، وينخر في جسده، بل ينحره فعلاً!
هل تعاطي هذا الفرنسي المخدرات بكميات كبيرة تجعله يصل إلى هذه الهستيريا من القتل الدموي؟ أم أن هذا كان من سلوكه وعاداته، لكن هذا القتل الجماعي كان مخططاً له من قبل، خاصة أن هذه الشاحنة تم استئجارها منذ يومين من حادثة نيس في يوم فرحها الوطني!
إن اتخاذ قرار قتل عشرات الأبرياء ممن لا يعرفهم هذا القاتل، أمر يثير الدهشة والأسئلة، كما أثار الدهشة والمرارة قتل الشابين لأمهما، وكما أربك عقولنا أيضًا من يفكر بدخول مسجد المصطفى لقتل المصلين، كمن يقول ها أنا ذا يا رسول الله، يا رسول المحبة والتسامح والإخاء، أقتل محبيك المصلين قرب قبرك!
في الحالة الأولى كيف تقتل من لا تعرفه، ولم تلتق به من قبل، وليس بينك وبينه عداوة؟ وفي الثانية كيف تقتل أمك؟ من حملتك وهنا على وهن، وأرضعتك، وسهرت في نومك، وضحَّت بكل شيء لأجلك؟ كيف تقتل من رائحتها تقودك إلى البر والطاعة وخفض جناح الذل؟ وفي الثالثة كيف تقتل من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويستقبل القبلة، ويصلي في حرم النبي صلى الله عليه وسلم، وقرب حجرته؟
هي أسئلة لا تجعل المرء يؤمن أنها تفوق المنطق والعقل، فحسب وإنما تجعله يجزم بهستيريا هذا العالم الذي فقد عقله فعلا!