د. محمد عبدالله الخازم
يبدو أن العمليات الإرهابية التي يقوم بها الأفراد تأخذ صفة العالمية حيث نراها ممتدة من دالاس إلى اورلاندو إلى باريس إلى بروكسل إلى بغداد إلى المنامة وغيرها من مدن العالم. والسؤال؛ ما هو المشترك بينها؟
بغض النظر عن كون كل منها يأخذ أو يتدثر بغطاء تنظيمي معين، سواء كان ثوريًا أو دينيًا أو ايدلوجيًا، إلى أن هناك جذورًا أعمق من ذلك تقود أولئك المأزومين للانتماء إلى فصيل أو مظلة التي تشرع العمل الإرهابي. حتمًا هناك الاستعداد الفردي أو الحالة الاجتماعية والنفسية التي تجعل الفرد قابلاً للقيام بعمل إرهابي بدافع ذاتي أو ضمن مشروع إرهابي، لكنني أتجاوز ذلك للتركيز على أبرز ثلاثة عوامل، قد تكون مبررًا لما يحدث من عنف ضد الحكومات، أيًا كانت السلطة أو الحكم، وتقود إلى اتجاه الأفراد والجماعات للتفجير والقتل لأناس أبرياء، لاعتقادهم أنهم بذلك يحاربون السلطة.
أولاً: العدالة. الأمم التي يتناقص فيها العدل تكون أكثر عرضة للحقد من قبل الأفراد والجماعات. والعدل هنا مفهومه واسع وليس مجرد ما يدور بالمحاكم في مختلف القضايا، أو بمعنى آخر هو إحساس الناس بوجود العدل. اعتداء مواطن أسود على رجل الأمن الأمريكي لا يحدث لكونه ينتمي لداعش ولكن لأنه يشعر بأنه لا يعامل بشكل عادل مقارنة بالآخرين لمبررات فئوية - عنصرية تمارس ضده، فيصبح أبسط حدث حتى ولو كان عرضًا مصدر استفزاز له. ربما القانون ينص على المساواة، لكن لا يطبق بشكل عادل...
ثانيًا: المساواة. تتداخل تعريفاتها مع العدل وتشير إلى الإحساس بعدم المساواة في التقدير والحقوق والمزايا والمعاملة. الشعور بعدم المساواة قد يقود إلى تأثر الانتماء الوطني، وبالتالي الاحتقان الذي يتجاوز حدوده القانونية ليتحول للعنف. عندما يفجر مهاجر إفريقي بجموع الناس في باريس فجزء من مبرراته هو عدم معاملته والجماعة التي ينتمي إليها بشكل مساوٍ للآخرين في الحقوق والخدمات والوظائف وغيرها. الشعور بعدم المساواة لا يأتي في الغالب من فراغ بل من ممارسة ومعاناة يعانيها الأفراد من تمييز واضح ضدهم..
ثالثًا: المشاركة. يقل العنف في الدول التي تتيح المشاركة بشكل أكبر في صنع القرار أو نقاشه. بل نجد المواطن فيها يرضى بالضرائب وقوانينها رغم قسوتها في بعض البلدان، لأنه يشعر أنه شريك في صنعها، والاستفادة من مخرجاتها. كلما ضاقت دائرة صنع القرار في أي دولة، همش وأحبط أكبر عدد من الناس، وكلما أحبط الناس، أصبحوا عرضة أو أكثر قابلية لارتكاب أعمال مخالفة للقانون كوسيلة تعبر عن امتعاضهم واعتراضهم على التهميش الذي يجدونه.
ليس هذا تبريرًا للإرهاب وأعمال العنف، أيا كانت طبيعتها، لكن المطلوب الالتفات إلى العوامل المحبطة للناس وتقليصها كجزء مهم من معالجة الظاهرة. اقتراح العوامل أعلاه ليس حصريًا، وإنما محاولة مقارنة بين المجتمعات التي يضربها الإرهاب وتلك التي تنعم بالبعد عنه...