ناهد باشطح
فاصلة:
(إن شأن الأرواح غير شأن الأبدان وأنت تجد الروحين المتماثلين المتناسبين في غاية التجاور والقرب وإن كان بينهما بعد المشرقين)
-ابن القيم من كتابه «الروح»-
قالت لي «مسفرة بنت واكد» والدة زوجي حسن الحارثي جملة جعلتني أعود بالذاكرة إلى مقال كتبه عنها الراحل في جريدة الشرق بتاريخ 22-7-2012.. فقد رسم لمن لا يعرفها صورة للمرأة الحكيمة البدوية الأصيلة؛
قالت لي «الحي ما عليه خلاف... لكن الميت يا بنتي....»
كانت بفطرتها النديّة تجسّد حالتنا مع الموت.. قلقنا على احبتنا وبرمجتنا بالمعلومات المخيفة عن العوالم الأخرى مما جعلني ابحث لأفهم حالة الموتى في عالمهم.
نحن غالباً نردد أن حياتنا الدنيا طريق مؤقت إلى الحياة الآخرة إذن لماذا إذا سبقنا الأحبة نحزن ونتألم والبعض يستغرق في الحزن إلى حد الكآبة وربما الإصابة باضطرابات نفسية مثل «اضطراب ما بعد الصدمة» والبعض يلحق بالحبيب إلى الدار الآخرة من فرط الحزن؟!.
في رحلتي إلى التشافي كان عليّ أن أفهم أسرار الموت وعالم الأرواح إذ أكثر ما كنت ألحظه أني أجتر عبارات سلبية وأقرأ رسائل الراحل وذكرياتي معه ثم أنخرط في نوبة بكاء وأتساءل إلى متى استمر كذلك؟ وما ذنب الأحبة حولي أن أشقيهم بحالتي؟..
وما الذي أستطيع أن أعطيه الراحل الآن امتناناً لما أعطاني من حب وهو في عالم آخر لا أعرف شيئاً عنه؟.
من المؤسف أننا تبرمجنا على أن الموت نهاية بينما هو مرحلة جديدة ننتقل إليها والعمل الصالح حسن ظننا بالله يجعلها مرحلة آمنة.
أرواح موتى المؤمنين تطير في آمان وحين نستغرق في الغم نزعجها أو كما قال سيد الخلق «إن الميت ليعذب من بكاء أهله عليه»، قاصداً الغم وليس البكاء الذي مارسه صلى الله عليه وسلم حين رحل عنه ابنه إبراهيم.
ويلعب البعض دون وعي دوراً في استمرار ضياعنا في دائرة الغم حين يرددون العبارات السلبية المحزنة إلا الذين يملكون الوعي وقد أنعم الله عليّ بهم وساعدوني على التسليم بوعي لحكمة الموت.
من أقسى المشاعر التي يمر بها من فقدوا أحبتهم الإحساس بالذنب حين يحاولون العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية فكيف يسعدون ولهم حبيب ليس معهم!!.
رحلة التشافي هي المقدرة على الانفتاح إلى معرفة جديدة وتجربة جديدة أراد الله بها أن نتأمل ونتغير إذ لا يأتي الله لنا بشر.
والسؤال في فقدنا للحبيب؛ هل كنا نحب روحه أم جسده؟..
إذا أحببنا الروح فهي باقية ولكن ليس في عالمنا؛ أما إذا أحببنا الجسد وهي علاقة فانية فهو الذي ما عاد موجوداً.
البعض يتحدث عن الفراق، نعم هو ما يعذبنا ليس بسبب غياب الحبيب ولكن بسبب الأفكار التي تبرمجنا عليها
الحب الحقيقي أن نقبل خيارات الحبيب مهما كانت لأن الأهم أن يكون بخير معنا أو بدوننا.
وإن كان الله قدر أن ينتهي التواصل الجسدي مع من نحب فهناك التواصل الأعمق في التقاء الأرواح في المنام وفي استقبال الأحبة الراحلين هدايانا إليهم من دعاء وصدقة، وكذلك في معرفة الأرواح في عالمهم بأخبارنا حين تقدم إليهم من عالمنا روح جديدة.
سلام على روحك ياحسن أينما كانت فهي كما كانت نور وسلام في دنيانا فهي في خير وأمان بإذن خالق الكون.