هاني سالم مسهور
ما إن ظهرت نتائج الاستفتاء في بريطانيا حتى قال أحد الأصدقاء جملة ما تزال تتردد في أذني «بدأ الآن الربيع الأوروبي»، ما حصل في بريطانيا ويحصل الآن في الولايات الأمريكية هي شيء واحد في مضمونه العميق، فالفكرة كلها تأتي ضد المهاجرين إلى أوطان بعيدة فراراً من عبودية أو فقر أو قتل أو حتى تشرد فرضته قوى الاستعمار منذ قرون بعيدة، غير أن ما هو جدير بكثير من القراءة فيه هو أن العالم يتغير، وأن هناك تغيرات حقيقية تحصل نتعامل معها بكامل ما نمتلك من الريبة والتوجس.
دونالد ترامب الشخصية التي استحوذت على اهتمام الإعلام في هذا العام 2016م بشكل لافت، فلقد نجح في استعمال خطاب للترويج لحملته الانتخابية يحمل كامل الشحن المخزون في دواخل الأمريكيين الذين يؤمنون يقيناً أنهم هم أصحاب العالم الأول، وأنهم ما زالوا يذهبون بكل ما في أمريكا من تفاصيل دقيقة إلى الامبراطورية الحُلم، هذه الدوافع الأمريكية المسكونة في الذات هي التي استخدمها ترامب عندما اعتبر أن المسلمين يشكلون خطراً على أمريكا.
وعلى مسافة أشهر قليلة من موعد مغادرة أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية البيت الأبيض بعد ثماني سنوات أمضاها حاكماً محققاً للسود وكل ما في أمريكا من امتزاج حضاري تأتي أحداث دالاس لتضع باراك أوباما وكذلك الحُلم الأمريكي كله أمام تساؤل إن كانت أمريكا هي الأنموذج الحضاري الأكثر تقدماً أم أن هنالك خللاً ما حدث أو يحدث؟؟
عام 2016م هو برميل بارود عنصري ينتظر عود الاشتعال ليحصل الانفجار، حالة الاستقطاب الحادة التي ظهرت في الحملة الانتخابية التي يقودها المرشح الجمهوري ترامب بميراث الحزب وصورة دبليو بوش تقودنا إلى نتائج الاستفتاء الأخير الذي أكد تقلص المعتقدين بأن العلاقات العنصرية في أمريكا جيدة، فالتشاؤم وصل حداً عالياً مما يؤشر بشكل حقيقي نحو تهديد مباشر في تركيبة المجتمع الأمريكي.
في 2011م قاد دونالد ترامب حملة واسعة ضد الرئيس أوباما مطالباً بنشر شهادة ميلاده ليثبت للأمريكيين أنه من مواليد الولايات المتحدة وليس من كينيا، كانت مجرد بذرة للحملة الرئاسية الحالية، وقال أحد الصحفيين الأمريكيين إنها كانت مجرد (بالون) اختبار أعطى لترامب كامل المعطيات ليقود حملة انتخابية تقوم على العنصرية، وهي التي كانت مع دخول أوباما البيت الأبيض العنصر الفارق بين الولايات المتحدة والعالم.
تنقسم أمريكا منذ اندلاع أحداث دالاس بين شعارين «حياة السود مهمة» أو «حياة رجال الشرطة مهمة»، هكذا تقسمت أمريكا في لحظة فارقة كما تقسمت قبلها بريطانيا فأما «السيادة الكاملة للبريطانيين» أو «الاستفادة من كامل ما يقدمه الاتحاد الأوروبي» اختار غالبية البريطانيين السيادة، وفي اليوم التالي أفاقوا على واقع انهيارات في الجنيه الاسترليني ورغبة اسكتلندا وآيرلندا الشمالية بالخروج عن التاج البريطاني.
لن تعود الولايات المتحدة إلى حقبة الصراعات العنصرية، هذا ما يقول به الراغبون بأن تتجاوز أمريكا امتحانها العسير وتذهب نحو الاستقرار والهدوء الداخلي، ويقول آخرون آن للولايات المتحدة أن تعيش صراعات داخلية كما عاشها الاتحاد السوفيتي مع سقوط جدار برلين، وما بين كل تلك الأقوال علينا أن نؤكد أن العالم يحتاج إلى قيادة مسؤولة ومنضبطة وقادرة على تجاوز الحرائق المشتعلة.