القاص حسين علي حسين يقول في إحدى قصص مجموعته (المقهى):
حضرت مبكراً. أوقدت جهاز التكييف فأخذ يهدر في الغرفة الضيقة بلا هوادة. تذكرت عبارة موظف زائغ العينين: مكيفك أصيل! فشعرت في داخلي بالضيق!
أخذت زجاجة الماء البلاستيكية، وضعها في حيز أمام فتحة المكيف، درت في الغرفة، أزحت الستارة القاتمة اللون، المكونة من شرائح مستطيلة ومتعددة، غمر الضوء الغرفة، وقفت خلف الزجاح الشفاف. كان المشهد مثيراً، اكتشفته للتو، عشرات السيارات، تمرق في سرعة رهيبة، عجلة صغيرة، يتراقص بها عامل، وسط السيارات، رجل عجوز يزحف بعكازه من رصيف إلى آخر. سمعت وظهري للباب صوت بهناز فالتفت إليه، لكنه لم يعرني انتباهاً، وضع كوب الشاي، وأخذ بقايا الصحف، ثم ضعق الباب خلفه، تاركاً لي طيف ابتسامته المبهمة. يحيرني هذا العابر بين الغرف الكثيرة، بنعلين من فلين، يخرج ويدخل كالريح، بيني وبينه حوار صامت، وابتسامات مبهمة، وورقة صغيرة، أبرمتها جيداً، وأغرزها في جيب قميصه، فلا أجد إلا ابتسامة تجعلني طوال اليوم نهباً لتفكير ممض، ماذا يريد هذا العابر.
دلقت الشاي في جوفي، جلست على الأرض، ألقيت نظرة على صحف الصباح، رن جرس التليفون بإلحاح.