رقية سليمان الهويريني
عبر تآمر سلمي علي، عمد أفراد أسرتي لحظر القنوات التلفزيونية الإخبارية بعد أن لمسوا حالة الشرود والقنوط على نفسي، إلا أنني قاومت كثيرًا، وطفقت أبحث عن أخبار الحروب والصراعات السياسية عبر المواقع الإلكترونية وقنوات التواصل الاجتماعي، ولا أكاد أرتاح إلا بعد المرور عليها كلها! ورفضت الرضوخ لرغبتهم التي حتمًا تنم عن حب دفين لي! وبعد الخوض بتلك الأخبار أشرع بكتابة مقالاتي حتى بات طابعها العام يرشح بالشجب والخوف والدم! ولم أشعر بفداحة فعلي إلا بعد أن أوجعني تعليق من قارئ مشفقٍ على حيث كتب: (قلمك كان ينتشي عطرًا، فلم أقحمتِهِ بالدم؟ اقفزي فوق سور الواقع الأليم، فقارئك يطالبك بالخروج من سطوة الدم، حتى لكأنه يشاهد نشرة (أخبار التاسعة)! اجعلي الكلمات مثلما عهدناك كعصا موسى، وارسمي بها الأمل والبسمة على وجوهنا، ولا تفلقي بها قلوبنا بما يحدث من قتل ودماء. فكلما قرأت لك عن شخص يقتل أمه وآخر يذبح أباه وثالثٍ يفجر مسجدًا وغيرها يوجعني قلبي، فقد سمعتها في الأخبار، وقرأتها في الصحف، ورأيتها بالصور، حتى حلمت بها كابوسًا! إلا تدَعين لنا مساحة من الابتسامة بعيدة عن الألم؟ وتبعدين قلمك عن الشرب من محبرة الدماء؟! انظري إلى من حولك، هناك أشياء كثيرة جميلة، كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش المولود في النكبة والاحتلال والحصار والتشرد:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة
رائحة الخبز في الفجر وكتابات أسخيليوس)
والحق أنه راعني ما قرأته، وبدا لي أن سطوة القراء لا تقل عن هيمنة الأسرة وأحيانًا حبهم! فقد باتوا يمارسون عنفًا رقيقًا وحصارًا ناعمًا، وتمنيت أن استجيب، ولم أكن قط أميل للكتابة عن القتل والدم والفواجع، لولا تغلغله في حياتنا واقتحامه بيوتنا وعائلاتنا! وكلما حاولت الخروج أعادتني الحوادث وجرتني للكتابة شجبًا ودهشة وألمًا ووجعًا!
ولأنني أدركت بشاعة حالتي، وتمرغ عباراتي بالألم؛ فإني أعتذر من أسرتي التي أرهقتها بأحاديث الحرب والدماء، وأعتذر لقرائي الذين أوجعتهم بتحليل أخبار الحوادث والقتل والعنف، وكأنني أحمّلهم مسؤولية إعادة السلام لأحلق بهم عبر غيوم التفاؤل أو أسبح بهم في شطآن الأمل، بدلاً من أن أُحمّل نفسي مهمة إغرائهم بالجمال وتطهير الأجواء بالتفاؤل ومكافحة حالة التشاؤم المقيتة.
أدرك حتمًا لهفة المحبين وانتظارهم هطول الفرح ونقلهم لسموات الأمل وأشكرهم عليها!