استبقاء النعم له بالغ الأهمية في النهوض والازدهار والقوة والتمكين, ولا يمكن استبقاء النعم إلا بصيانتها والمحافظة عليها وتقديرها حق قدرها, وفي سوق العزيزية للخضار والفواكه بالرياض ما تدمع له العين؛ لأجل كثرة النعم الواردة إليه والاستهانة بالمتساقط من صناديق الخضار والفواكه قليلاً كان أو كثيراً, فلا يرفعها الناقلون لها بالعربيات كرامة لها, بل يتركونها تداس بالأقدام وهي أحسن ما تكون نضرة ونضجاً, ويتكرر المشهد في مباسط البيع؛ فلا تسل عن تلك الأصناف الكثيرة التي يداس الساقط منها على الأرض, بلا إحساس أو تقدير أو استشعار بشناعة هذا الأمر, في مشهد محزن, يُخشى علينا فيه من زوال هذه النعمة العظيمة, وهنا نتساءل أين دور الرقابة في محاسبة هؤلاء؟! لماذا لا يحاسب ناقل الخضار والفواكه حينما يتساقط منها شيء لتفريطه وعدم مبالاته بما يسقط منها, ولو أنَّه عرف للنعمة قدرها لما تركها لتدوسها الأقدام بعده؟! وكذلك لماذا لا يحاسب صاحب المبسط الذي يترك المتساقط من تلك الصناديق تداس؟!
إنَّ الدور الرقابي له أهمية كبرى في استبقاء النعم بإلزام أولئك الناقلين والباعة بإتقان عملهم والتأني فيه؛ لكي لا يتساقط من تلك الخضار والفواكه شيء, وبرفع ما يتساقط منها فوراً, ولو أصدرت الجهة الرقابية قسيمة مخالفة (غرامة مالية) يدفعها جزاء عدم تقديره لتلك النعم...لكان رادعاً لهم عن سوء صنيعهم بنعمة الله, ولو جَمعَ تلك النعمة النظيفة الساقطة على الأرض في صناديق بعد تعقيمها لعرضها بالمجان لمن أرادها؛ لسدت جوع محتاج, وأشبعت بطوناً خاوية لفقرها وعوزها...
ومما رأيت في هذا السوق الضخم صناديق خضار وفواكه وقد تُركت بجانب حاوية القمامة, في منظر تتفطر له قلوب الغيورين على نعم الله أن تُهان؟ رأيت صناديق طماطم كثيرة صالحة للأكل, وغيرها من الخضار والفواكه بجانب حاوية قمامة, وقد تكون صالحة للبيع إلا أنَّ ثمنها زهيد لا يغطي أجرة نقلها, فوضعها صاحبها بجانب القمامة وذهب, وغرَّ صاحبها صنيعه السيء إذ تبين أنَّه لا همَّ له إلا الربح المادي, وكأني به يقول: لا أزيد خسارتي في بيعها خسارة في نقلها, وما علم أنَّ الخسارة كلَّ الخسارة حينما يبوء بإثم إهانته لتلك النعمة في يوم يتمنى الحسنة تزاد في حسناته, والسيئة تمحى من سيئاته... والأدهى والأمرُّ أن يُرمى بالخضار والفواكه في داخل حاوية القمامة, وقد شاهدت ذلك متحسِّراً ومتأسِّفاً.
إنَّ هذه أول زيارة قمت بها إلى ذلك السوق بدعوة من رجل غيور على نعم الله أن تهان, فذهبت معه ورأيت ما رأيت, فكتبت هذه الأسطر؛ لعلها تستنهض رقابة تلزم أصحاب المباسط والناقلين لتلك النعم برفع ما يسقط من صناديقهم قبل دوسه بالأقدام, ولو لزم الأمر إلى إصدار مخالفات (غرامات مالية) إكراما لنعم الله علينا وصيانة لها من الدوس عليها...
إنَّ لكل مشكلة حلول, فمن الحلول المقترحة حفظاً للنعمة وصيانة لها ما يلي:
أولاً: كثرة تردد المراقبين على أصحاب المباسط؛ لأجل هذا الأمر ومتابعة سير النقل والعرض لهذه النعم ومحاسبة من يصدر منه مخالفة في ذلك.
ثانياً: تخصيص جزء من المباسط, يضع فيه الباعة ما رغبوا عنه؛ إما زهداً في ثمنه أو لعدم تصريفه؛ لكثرة البضاعة المماثلة, فيأتي إليه المحتاج ويأخذ منه ما أراد, فنكون بذلك حافظنا على النعم وأكرمناها, وأحسنَّا إلى الفقير والمسكين, وقمنا بما فيه شكر لله عزوجل.
ثالثاً: تكثيف التوجيه والإرشاد باللغات المختلفة؛ لبيان أهمية تلك النعمة ووجوب المحافظة عليها وصيانتها؛ ذلك أنَّ الباعة فيه من المقيمين, وفي أمسِّ الحاجة إلى من يناصحهم ويوجههم التوجيه الصحيح...
رابعاً: هذا السوق بيئة عمل تُدرُّ أرباحاً كبرى على العاملين فيه, فأين الشباب السعودي عن هذا السوق, لماذا هو مُعرِضٌ عنه, زاهدٌ فيه؟! هل ثمة عقبات تنظيمية أو تشغيلية تكتنف ممارسة الشاب السعودي للعمل في هذا السوق؟! أم أنَّ عجزه وكسله يقف خلف عدم العمل فيه؟! أم أنَّ الأمر مشتركٌ بين هذا وذاك؟! اعذروني فإني لا أعلم الإجابة.
خامساً: إنَّ في مملكتنا أسواقاً مماثلة لهذا السوق في جميع المناطق والمحافظات, وتحتاج معه إلى مثل ما ذكر آنفا وإلى حلول أخرى تسدُّ الخلل, وتعمل على أن يكون المستفيد الأول من هذه المشاريع الضخمة المواطن على وجه التحديد.
- خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير