د. خيرية السقاف
تصيبنا بهجة خفية حين نستلهم شعوراً يتدفق بالرغبة في الكتابة, وقد قررنا أن نرجئ حضور القلم ونحن بالكاد قد منحناه راحة,..!!
أحياناً يغلبنا التوق للاعتذار منه, لفرط ما أثفلنا عليه ركضاً على الورق, وهو لا يجف وإنما يغترف من عروقنا وينهمر,..
وأحياناً نهمس بأدب جم لهذه العروق أن ترحمنا قليلاً بلطف هجودها لكنها لا تفعل, ..
وكثيراً ما نمسح بقبلاتنا امتناناً على أصابع يدنا التي تكتب بهذا القلم لفرط ما أرهقناها كتابةً, حتى إذا ما شعرنا ببعض وخزٍ يعتريها تسارعنا بالخوف عليها اعتذاراً, وامتناناً..
أتخيّل هذا حالنا معشر الكتّاب..!
فأنا أفعل هذا مع قلمي, ومع يدي!!
يدي فلأنها تلازمني أجد ما يخفف عني وطأة الحرج معها, لكن قلمي غالباً ما أكون له مدانة, حريصة ألاّ يغيب عن حضوري, أو يندس بعيداً عني, مع أنه يحرجني بفيضه, لذا فهو لم يختف البتّة حتى في الحضور الشّره للوحة مفاتيح هذا الحاسوب العجيب الذي تسلّل ليس خلسة بل عنوة لزوايانا كلها, مع أننا في كامل زينتنا وهندامنا وتسيد أقلامنا في الجانب النابض منا..
البارحة كان هناك هذا الاستلهام، وهذا الحوار وقد تنحنح الوقت, وآن موعد كتابة المقال, والعودة لقارئ غمرني الله برفقته, ولصحيفة أكرمني الله بمن فيها, والرسالة هي الملحة, والكلمة هي السيدة..
فاستلهام القلم بعد انقطاع هذه المرة مهمة ليست صعبة وإنما محيرة , ذلك لأنّ ما مر في ساحة الأيام التي مضت قريباً على وجه التحديد شيءٌ كثيرٌ بحيث يصعب الانتقاء, وتتعقد المداخلات, فلا العيد قد جاء بطعمه, ولا الصوم قد مرَّ بروحه, ولا الناس كانت في مأمن من المفسدين هواءها, ولا العقول قد فرغت من تضادٍّ يعترك فيه خيرُ الأمل, بشرِّ العمل من حول الإنسان منا.., فالأم تُنحر على يديْ فلذاتها, والمصطفى عليه الصلاة والسلام، لم تكبح مهابةُ رقدته شرَّهم.. مع أنّ العامة يضحكون , ولملابس العيد يشترون, ولترويحهم وإجازاتهم يخططون, ودولبة الحياة تركض بسواقيهم نحو اتجاه كل ذي اتجاه..
لكنها الحقيقة, أن لا واقعاً آمناً, ولا استشرافاً عاجلاً له..
إنّ معمعة الأحداث تلجم في الصدور السكينة, وتوقظ لها مليون صوت, وواقع الأحداث يعيد حلقات, وحلقات من مشاهد مرت, وشخوص قضوا, وأفكار عششت, وخلاف خلَّف واستولد, وعتمة حلت وأينعت, وغفلة سادت فتمادت.
والكل عليه أن يوقف ضجيج الضحك, ويخفض صوت النكات, ويحزم قليلاً على انفراط الرغبات, ويستلم أزرة الوهج لمصابيح اليقظة ويشغِّلها..
لا مكانة للتسطح, والدّعة, لا للاتكال والثقة, لا للتفرُّد والعزلة,
بل طوق من الحراسة النابهة, والتطهير الواعي, ومواجهة الحقائق بصبر وحكمة, والتأكد من أنّ داخلنا لن يقوى على بذور ما حملته رياح خارجنا إلا بمواجهة صارمة, وعزم جاد, واتفاق جمعي, وقراءة معمّقة للتفاصيل , ولا ضير من الاعتراف بالأخطاء, وتحديد الأدوار.
كنت أتمنى أن أعود بتهنئة بالعيد, وبشوق لرائحة الحبر, وتوق القلم, لكنها أمانة الكلمة تلك التي تتمحور أولياتها في مدى ما يكون , ومدى ما تضخه العروق في قناته..!!