من منا سأل عن موقع هذا النادي الأدبي أو ذاك بعد اقترابه منه لعشرات الأمتار، ثم وجد من يدله عليه؟! ولعل منا - أيضا - بعد أن كلّ وملّ السؤال تحول بأسئلته إلى المارة من المقيمين وسائقي سيارات الأجرة! في أقصى ما تكون أشد حالات الإحباط والبؤس، وحالة مماثلة لباسط كفيه إلى السراب.
دعك من الجيران الذين وصفهم مالك بن نبي بـ»جيرة صناديق البريد» ولتسأل عموم النخب الثقافية وخاصتهم اهتماما بالشأن الأدبي وفنونه الإبداعية: كم مرة دخلت النادي الأدبي خلال عام؟ وأين من خصتهم اللائحة الأخيرة للأندية الأدبية، بالتخصص، وأرباب التأليف في اللغة العربية وآدابها؟ وكأني باللائحة تريد أن تفسح لهم الأماكن بعد أن ضاقت قاعات الأندية بما رحبت به من الكراسي ضرعا بالحضور؟!
ستة عشر ناديا في بلادنا، أصبحت اليوم أمام مهمة مرحلية، ورؤية وطنية تنموية شاملة، وجها لوجه أمام النقلة العملاقة 2030 م في ظل متغيرات اجتماعية مركبة، وتحديات فكرية متنامية، ما يفرض تحولها من الدور التقليدي النمطي، ومكرور المواسم، إلى أذرع منتجة، تزاحم مناكب فعلها الثقافي مناكب المؤسسات الثقافية الأخرى.
وإذا كان من الطبعي ألا يواجه ما قدمه كل ناد منها بالجحود، من نشاط منبري، وما أقامه بعضها الآخر من ملتقيات، وجوائز، وإسهام في طباعة المنتج «المحكّم» فمن البداهة - أيضا- أن التفاوت فيما بينها يجسد تباينا ماثلا للعيان، إذ لم يعد أمام من تصدى «باختياره» لإدارة الثقافة أن يواري طحن مواسم الوهم وجموع الجعجة (ندوات، محاضرات، أمسيات، فعاليات..) التي لم تتجاوز - غالبا - مكرور المنبر، ونمطية الأداء، وتناسخ الأسماء.
وبما أننا على أبواب صيف ربط الأمتعة، ليتذكر أعضاء مجالس الأندية (المغادرون) أن درجة الحرارة، والحفرية المجاورة، وحالة الطقس الماطرة، والأخرى الباردة، عند عودتهم لن تمنحهم مزيدا من الوقت والمساحة لتعليق أعذارهم الباردة لموسم قادم ساخن الحراك، فإما حفظ «ماء الوجه» في حقائب السفر وشدَها، وإما الإعداد لحقائب ملئ بالعطاء الثقافي، القادر على كسر خارطة الجدران، والوصول إلى المجتمع بمختلف شرائحه، في المدرسة، السوق، الحديقة، الجامعة، الأندية الرياضية.. والقادر على جذبهم - أيضا – إلى مؤسساتهم الأدبية الثقافية.
العمل الثقافي هم.. لا وجاهة.. واحتراف.. لا تجريب.. ورسالة.. لا وظيفة.
- محمد المرزوقي