الصراع في المؤسسات الدينية هو جزء من الصراع الاجتماعي القائم، وخاصّة أن العمل المعرفي بشقّيه التعليمي والإعلامي وكذلك العمل التطويري والإصلاحي والقضائي، كان من مسؤوليات المؤسسة الدينية منذ بداية الحضارة حتى عصر النهضة في اوروبا.
كل الأسماء اللامعة في التاريخ كانوا رجال دين او مرتبطين بالتعليم في المعبد او الكنيسة او المدرسة العربية المرتبطة بالجامع او ما شابه ذلك عند بقية الشعوب. ولذلك كانت العملية المعرفية، التي هي في واقعها تراكم التجربة ومحصلة التطور، انعكاساً مباشراً للصراع القائم على مر العصور. فلم يكن رجال الدين وخاصة الفلاسفة والعلماء منهم متجانسين مع بعضهم بعضا او مع السلطات المختلفة.
تعرض الكثير من رجال الدين الذين ساندوا المظلومين للقمع والتنكيل والإقصاء وصولا الى القتل بالحرق او السمّ
او الاعدام المباشر، بحجّة الهرطقة او الزندقة او الكفر والإلحاد. أما رجال الدين الموالين للسلطان ويتخذون من القدرية منهجاً، فقد لعبوا دور الشرطة الفكرية ضد زملائهم داخل الكنيسة.
هذا الصراع الكنسي انعكاس مباشر للتحولات الاجتماعية، ولذلك لا بدّ من تناوله ضمن المرحلة التاريخية التي جرى ويجري بها، ولست هنا بصدد جميع التحولات الكنسية طوال التاريخ، إنما سأتناول محطتين فقط من الانقسامات الكنسية وتسليط الضوء على محتواها.
(في القرن الخامس حدث الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقية والغربية....فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الاسكندرية تعرف بالكنائس «الارثوذكسية» ، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما وسميت بالكنائس الكاثوليكية. الى أن جاء القرن الحادي عشر حيث انفصلت كنائس القسطنطينية واليونانية وشقيقاتها عن الكنيسة اللاتينية وأصبحت هي الاخرى تعرف بالكنائس الأرثوذكسية.) (انظر - تاريخ نشأة الطوائف المسيحية – موقع الانبا تكلا)
الانقسام المشار اليه حدث بدايةً في القرن الخامس أي قبل الاسلام بقرنين تقريباً، ولم يكن بسبب خلافات دينية بادئ الامر، إنما بسبب الصراع المناطقي بين الشرق والغرب.
قبل الانقسام الكبير كانت المرجعية المسيحية في العالم تحت قيادة كنيسة الإسكندرية (المشرقية حالياً) ولكن الامبراطورية البيزنطية في ذلك الوقت كانت تتوق للهيمنة على الشرق ولا يجوز في هذه الحالة إبقاء القيادة الكنسية بيد الأقباط المشرقيين، فتم الانقسام الذي يعطي الحق للبيزنطيين بالتفرد بمرجعية خاصّة بهم والتحضير للهيمنة على الشرق.
ولكن الهيمنة تحتاج الى تبرير ديني! يجرف أفواج العامة كي يكونوا حطباً لهذه النية المبيتة، ولكن تسمية كاثوليك وأرثوذكس كانت موجودة قبل الانقسام، فكلمة الروم الكاثوليك تعني «رجال الدين الموالين للإمبراطور»، أما الأرثوذكسية تعني «الرأي القويم او الايمان المستقيم» (نفس المصدر السابق).
- د. عادل العلي